Print

المنافسة: روح الحرب

خلال الثمانينيات من القرن الماضي كان هناك شعارًا راجت شهرته فكان يُطبع على القمصان ويُلصق على السيارات، جاء فيه: "مَن مات ومعه معظم الألعاب (أو الدمى) يفوز". وسرعان ما ظهر شعار آخر بعد ذلك بعشر سنوات يدحض الشعار الأول ويُظهر جشع التجّار الذين سعوا لتشجيع المستهلك على مزيد من الشراء. فجاء الشعار الثاني هكذا: "الذي يموت ومعه معظم الألعاب (أو الدمى) يظل ميتًا منسيًا". ولكن الحقيقة أنه في النهاية شيء واحد فقط يهم بالفعل. فليس عملك ولا تعليمك ولا قدرتك الرياضية ولا بيتك أو سيارتك ولا الألعاب التي تمتلكها، بل ولا حتى سمعتك تكون لها الأهمية. الأمر الوحيد ذات القيمة والأهمية هو صفاتك والأفكار والمشاعر التي نمّيتها وطوّرتها أثناء فترة حياتك على الأرض.

فالصفات هي الشيء الوحيد الذي يمكنك أخذه معك إلى السماء لقد مُنِحَت بسخاء فترة اختبار لجميع سكان الأرض لكي يشكّلوا صفات تنسجم والناموس الإلهي.أولئكman leaning against expensive car while talking on a cell phone الذين أخضعوا إرادتهم ليهوه وسمحوا له بأن يصوغ أفكارهم ومشاعرهم، ستكون لهم صفات ترحب بها السماء. وسيشعرون بالألفة هناك لأن السماء تشكّلت أولاً في قلوبهم. ومن الناحية الأخرى فإن الذين تشبّثوا بعناد بأفكارهم الأنانية واحتضنوا مشاعر المرارة أو التفوق الذاتي، ستكون قرعتهم مع الشيطان في بحيرة النار. فبرفضهم إخضاع وتسليم أفكارهم ومشاعرهم لسيطرة يهوه، يكونون بذلك قد اختاروا السماح للشيطان أن يصقل صفاتهم ويشكلها.

يعلم الشيطان جيدًا أن المعركة الحقيقية هي على العقل الذي هو المُحرّك الرئيسي لكل فرد يعيش على الأرض. وهو إذ يهاجم جسم الإنسان من خلال الخمر والنيكوتين (التدخين) والغذاء غير الصحي وغير ذلك من تصرفات الإدمان. فهو يدرك أنه بذلك يطمس العقل ويعكّر صفاءه ويضعف الإرادة. كثيرون ممن يدَّعون المسيحية، ينظرون بازدراء إلى السِّكّير أو متعاطي المخدرات، دون أن يدركوا أبدًا أنهم هم أنفسهم قد يكونوا أيضًا ألعوبة في يد الشيطان في مجالات أقل وضوحًا.

يحتفظ الشيطان بتجاربه وإغراءاته الأكثر خبثًا ودهاءً ليُوقع بها أولئك الذين يحطاطون من ارتكاب تلك الخطايا الأكثر وضوحًا. وإحدى المحاولات التي استخدمها الشيطان بنجاح بالغ للإيقاع بالعديد من الغافلين، هي مجال الرياضة. وينكر معظم الناس وبشدة وسخط كبيرين، أن الرياضة يمكن أن تكون فخًا من فخاخ الشيطان. وهم يتذرّعون بأنه لكي ينجح الرياضي فعليه أن يلتزم بالتفاني والعيش الصحي والمثابرة – وهي كلها أمور جيدة بل ومرغوب فيها. وكثيرًا ما يشجّع الوالدون أبناءهم للاشتراك في الألعاب الرياضية المختلفة في محاولة لتعليمهم "الروح الرياضية"، أو بكلمة أخرى تعليمهم كيف يتصرّفون بشكل حسن سواء خسروا أو كسبوا.

وحقيقة أن الرياضة تتطلب التحلّي بالروح الرياضية، تكشف عن الطمع المُخبأ خلفها. فأيّة رياضة تستلزم أنه إذا كان هناك من غالب أو منتصر، فلابد أيضًا من وجود مهزوم أو مغلوب. وأحيانًا يقول الآباء والمدربين للأطفال أنه لا يهم إن هم كسبوا أو خسروا لأن النقطة الأساسية هي المتعة. ومع ذلك فما دام أنه لا يمكن أن يكون سوى فائز واحد فقط، فمن البديهي أنه في أيّة رياضة تنافسية يوجد صراع من أجل التفوق، بغض النظر عن طريقة التعبير عن هذا التنافس في لغة سياسية صحيحة.

هذا الصراع صوب أن يكون المتسابق هو الأفضل، وهو رقم واحد، وهو الفائز، يتضمن التنافس. وروح التنافس هذه هي روح الحرب. أما تعريف معنى "التنافس" حسب القاموس فهو: "السعي أو المحاولة لكسب ما يسعى غيرك لكسبه في الوقت ذاته؛ الصراع من أجل السمو والرفعة والتشامخ." (عن قاموس نوح وبستر الأمريكي للغة الإنجليزية، 1828).

هذا التنافس والنزاع نشأ أصلاً في قلب لوسيفر نفسه عندما اشتهى مركز يهوشوه في الديار السماوية. ويسجّل لنا الكتاب المقدس تبجّح لوسيفر وتطلعاته التنافسية، في التحذير ذاته الذي يُنبئ بسقوطه النهائي:

disappointed young boy at a soccer match"كيف سقطتِ من السماء يا زهرة، بنت الصبح؟ كيف قُطعتَ إلى الأرض يا قاهر الأمم؟ وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السموات، أرفع  كرسيَّ فوق كواكب ...[يهوه]، وأجلس على جبل الإجتماع في أقاصي الشمال. أصعد فوق مرتفعات السحاب. أصير مثل العليَّ." (إشعياء 14: 12-14).

هذا التلهّف للسيادة والتفوق، هو في ذاته أنانية. ولا يهم صاحبه إذا كانت أحلام وآمال الطرف الآخر تتحطم وتتلاشى لأن جُل اهتمامه هو الفوز لنفسه. روح المنافسة هذه والتي اعُتملت أولاً في قلب لوسيفر، هي روح الحرب.

في أوقات الحرب، كما في الأحداث الرياضية التي لا يُحصى عديدها، تصعد الصلاة التالية من أفواهٍ لا حصر لها:

"هبني النصرة والفوز يا سيد". مثل تلك الصلاة هي بمثابة موسيقى عذبة في أذن "السيد لوسيفر"، ولكنها تُعتبر نغمة شاذة وغير مألوفة، بل وبشعة، في نظر ذاك الذي يرى كل شيء، والكلّي المحبة. ويتلخّص أيضًا في هذه الصلاة الواحدة القصيرة، نداء وتوسّل من أجل نتائج هذه النصرة أو التفوق. وفحوى التوسّل في مثل هذه الصلاة هو:

"أبانا السماوي، شبابنا الوطنيين، فلذات قلوبنا الذين نعشقهم، ذاهبون للحرب –  فكن قريبًا منهم وسر معهم – بالروح – ونحن أيضًا ننتقل من أماكن راحتنا بالبيت أمام المدفأة المُحببة، لنضرب العدو. فساعدنا أيها الرب إلهنا لنمزق جنودهم أشلاء دامية بقذائفنا. ساعدنا لنغطي حقولهم الباسمة بجماجم وأشلاء مواطنيهم، وأعنّا لكي نسمع صرخات وعويل مجروحيهم المتألمين تعلو فوق رعود بنادقنا وآلاتنا الحربية، ساعدنا لنهدم بيوتهم المتواضقة ونسوِّيها بالأرض بإعصار من نار. أعنّا على انتزاع قلوب أراملهم المسالمات فلا يُجدي الحزن عليهن، وساعدنا على طرد أطفالهم فلا يبقى لهم سقف يظللهم فيهيمون على وجوههم، وليأكلوا من نفايات أرضهم المقفرة وهم في خرق بالية جائعين وعطاش. ولتلفحهم شمس الصيف الحارقة ويلسعهم صقيع الشتاء البارد وأعاصيره القارصة. ولتكن روحهم مكسورة ومنحنية من التعب وإذا توسّلوا إليك أن يكون القبر ملجأهم، فلا تستجب لهم ولا تريحهم. ومن أجل خاطرنا نحن الذين نتعبّد لك، حطم آمالهم وزعزع حياتهم. أطِل في تيهانهم المرير واجعل خطواتهم متعثّرة ودموعهم تروى طريقهم، وجروح أرجلهم تلطّخ الجليد بلون دمائهم. ونطلب كل هذا بروح المحبة لذاك الذي هو مصدر المحبة والملجأ الأمين وصديق جميع المتعبين الذين يطلبون عونك بقلوب متواضعة وتائبة." (مارك توين، صلاة الحرب).

إن عملية القتل أثناء الحرب؛ والصراع  للتفوق في عالم الإقتصاد وسعي الفرد أو الحكومة للهيمنة والسيطرة على الآخر، هذه كلها تجد لها انعكاسًا في العديد من ساحات الألعاب الرياضية وملاعبها وحلباتها وصالات التزلّج. وحتى لو امتنع الشخص عن "الصلاة " من أجل النصرة، فإن الاشتراك فى، أو حتى مراقبة ومشاهدة أي نشاط تتجلّى فيه روح المنافسة، هو هجوم خطير على عقول كل من يريدون الحياة الأبدية. المنافسة تشوّه وتُعوِّج الصفات إذ تدفع المشترك فيها والمشاهد صوب الرغبة في السيطرة على الآخرين. كما تعمل على توتر المشاعر  وتجعلها مرهفة الحساسية إلى أعلى درجة بحيث يكون هدفها الوحيد هو الفوز، الفوز، وليس غير الفوز، بغض النظر عن التكلفة أو الأضرار التي تصيب الطرف الآخر.

وإليك تحذير الكتاب المقدس في هذا الصدد: "قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح. تواضع الروح مع الودعاء خير من قسْمِ الغنيمة مع المُتكبّرين." (أمثال 16: 18، 19). ينبغي تجنب المنافسة في أي شكل من أشكالها الكثيرة مهما كان الثمن، لأن المنافسة تثير المشاعر التي تقلّل من قيمة الآخرين في اعتبار الشخص. ويمكن لنشوة السيطرة والنصرة والهيمنة أن تتحول إلى إدمان مثلها في ذلك مثل النيكوتين بالنسبة للمُدّخِن، والكحول بالنسبة للسِّكّيرين.

أما التأثير الأكثر خطورة على الصفات والأفكار والمشاعر فيكمن في تطوير التجاهل وعدم المبالاة بالنسبة لمشاعر وآمال ورغبات وتطلعات الشخص الآخر. فإذا كانت الذات هي الأهم وتأتي في المرتبة الأولى، فلن يبقى من مجال للاهتمام بخيبة أمل الآخرين. وعلى أي حال، أليس هو مجرد تسلية بريئة، مجرد الاشتراك في لعبة. أليس كذلك؟

هذا لا يعني أبدًا أن الشخص لا يمكنه الاستمتاع بالسباحة وركوب الخيل والتزلّج على الجليد والتزحلق وركوب الدراجات، أو الاشتراك في أي نشاط آخر يعمل على استخدام المهارات وتدريبها. فالرياضة البدنية ضرورية للصحة الجيدة. وعلى كل الذين يريدون الاستمتاع بعقل صافٍ، أن يسعوا لتحسين صحتهم لأنهم عندئذ سيتمكنون من سماع صوت الروح القدس. وبالتالي، فإن المنافسة الوحيدة المقبولة هي تلك التي يخوضها الإنسان ضد سِجلّه هو الخاص أو وقته وضعفاته، وليس ضد الآخرين أبدًا.

إن الاشتراك في المنافسات التي يخوضها الآخرون، أو مشاهدتها، لا ينبغي أن يكون لها أي مكان في حياة أولئك الذين يريدون أن تكون السماء هي وطنهم الأبدي.

وهناك مجال آخرexcited fans at a sporting event يصرف الشيطان عقول الناس من خلاله ويشجع على الأنانية. وهذا المجال ينحصر في نجوم وأبطال الرياضات، "فنجوم" هذه الألعاب الرياضية يصبحون أصنامًا ظاهرية لجموع المشجعين والمعجبين الذين "يتعبّدون" عند رموزهم وصورهم وكأنها أصنام لهم. وهذه "العبادة" قد تكون مجرد إعجاب وعشق. والصنم أو "المعبود" يمكن أن يكون أي شخص غير الخالق. وبالتالي فإن الوقت والمال والفكر الذي يُستهلك في متابعة الأبطال الرياضيين الذين، بالطبع، لا تطول نجوميتهم كثيرًا، يُعتبَر عبادة تُقدّم لإله غريب. في عالم كهذا، حيث الفقر الذي يعاني منه ملايين البشر، فإن إنفاق مليارات الدولارات على النشاطات والأحداث الرياضية، وعلى مُرتَبات المشتركين فيها من اللاعبين، يبدو خطية فاحشة من الناحية الأخلاقية. والرغبة في الهيمنة وفي الفوز بالمباريات، هي وسيلة باهظة الكُلفة جدًا لتطوير أفكار ومشاعر شبيهة بتلك التي للشيطان.

يتم الاعتراف بالرياضيين الأولمبيين على أنهم الأفضل. ويتجمع الرياضيون من دول مختلفة ليتنافسوا في ألعاب "ودية". ولكن الحقيقة هي أن دورة الألعاب الأولمبية ليست سوى تعميمٍ للرياضة المُنظمة الوثنية، أو تعميم الوثنية من خلالها. والعديد من الرياضيين يكرّسون حياتهم بجملتها أو يخصصون وقتهم وطاقتهم ليصبحوا هم الأفضل في مجالٍ محدد للمنافسة مرة كل أربع سنوات. وهذه الألعاب الأولمبية الحديثة، إذ يعود أصلها إلى اليونان الوثنية،  فهي غارقة في الرموز السرية الغامضة، من الأهرامات إلى العين الكلّية الرؤية والعِدادة (دراسة معاني الأعداد السحرية أو التنجيمية)، وأكثر من ذلك بكثير. و"الإله" الوحيد الذي ينال التكريم في مثل هذه الأحداث والنشاطات هو الشيطان، إله القوة والعنف والإرغام.

أما الأعذار التي يقدّمها المشتركون في الرياضات التنافسية، والذين يشاهدون تلك المباريات والفعاليات، فهي كثيرة ومتنوعة تنوّع الرياضات وكثرتها. ومع ذلك تبقى الحقيقة أن مثل هذه المشاركة تشجّع وتنمّي روح لا تصلح ولاتناسب الشركة والرفقة مع ملائكة النور.

"منهج المستقيمن الحَيَدان عن الشر. حافظ نفسه حافظ طريقه." (أمثال 16: 17).

يجب أن يكون هدف الحياة هو تطوير صفات وأفكار ومشاعر مثل تلك التي ليهوشوه. وإذا وجدت أنك تفتقر إلى المحبة واحترام الآخرين، وتريد إثبات أنك أفضل من غيرك، فعليك أن تصلّي لكي يُوهب لك عقل يهوشوه. ووعده الكريم والأكيد هو أنه سيزيل القلب الحجري الأناني والمتشكك من داخلنا، ويكتب ناموس محبته في أذهاننا.

"وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم، وأجعلكم تسلكون في فرائضي، وتحفظون أحكامي وتعملون بها." (حزقيال 36: 26، 27).

ليس من الممكن لنا أن نتحلّى بما يكفي من المحبة والبرّ لكي ننال بشكل ما،  أو نستحق السماء. فالحياة الأبدية ونقاء العقل هما عطية لا نستحقها ولا نكتسبها.

"لأنه هكذا أحبَّ ...[يهوه] العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية، لأنه لم يرسل ...[يهوه] ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلص به العالم." (يوحنا 3: 16،17).

أفلا تقبل هذه العطية وتتغير اليوم إلى صورة يهوشوه؟!