كان جورج مولر رجل يفهم معنى الإيمان، وقد قال ذات مرة، "لقد كرّست حياتي كلها بفرح لهدف توضيح ما مدى ما يمكن إنجاره من خلال الصلاة والإيمان".
وضع يهوه في قلب جورج هذا، أن يبني ملاجيء لرعاية الأيتام والأطفال المعوزين الذين يعيشون في شوارع بريستول في انجلترا. ورغم أنه لم يكن معه سوى 50 سنتا فقط في جيبه، فقد عزم على أن يطيع الصوت الإلهي الذي همس في داخله. لم يكن يدري من أين ستأتيه الأموال لمشروع كهذا، ولكن لم تكن تلك معضلته، لأنه كان يدرك تماماً إرادة يهوه وأنه سيضطلع بدوره ويفتح الطريق. وما كان على جورج مولر إلا أن يطيع.
استودع جورج كل شيء بين يدي يهوه لأنه وثق في إرشاده الإلهي. وكان جورج قد تعود منذ بكور حياته ألا يخبر أحداً على الإطلاق باحتياجاته رغم أنه كان يفتقر إلى الكثير منها. ولكن شفتاه اللتان أغلقتا أمام البشر انفتحتا أمام أبيه السماوي. ومن خلال رجل الإيمان المتواضع هذا أقام يهوه خمسة مباني عملاقة من حجر الجرانيت تتسع لألفين من الأيتام .
وفي ذات يوم نفدت النقود تماماً من جورج مولر ولم يتوفر له ما يشتري به الطعام لوجبة الأطفال التالية. وبينما هو راكع في الصلاة ويطرح احتياجه أمام أبيه السماوي متمسكاً بوعود الإيمان، طرق الباب شخص كان يحمل له هدية من الأموال. وهكذا أثبت يهوه مرة أخرى أنه يوفي بوعوده دائماً. وتناول الأطفال وجبتهم التالية في موعدها.
وعلى مر السنين تسلم جورج مولر ملايين الدولارات لدعم وتعضيد ذلك العمل الإنساني العظيم الذي كان يقوم به – وكل هذا دون أن يخبر أي إنسان على الإطلاق باحتياجاته والتي كان بعضها مُلِحُ جداً. وقف جورج مولر حياته على إعلان صلاح يهوه وقدرته التي تجلت لصالح كل من وثق في مواعيده الإلهية وصدقه في حفظ العهد. أدرك مولر أن التجارب ضرورية لمن يرغب في أن يكون قويّ الإيمان. وقد قال مُعبّراً عن شعوره هذا، "تعلمت الإيمان بالوقوف صامداً في وجه الاختبارات العصيبة".
لقد قيل أن الإيمان نبتة تنمو بسرعة إذا راعيتها. وقد أثبت إيمان مولر حقيقة هذا القول. فبغض النظر عن الحالة الطارئة التي واجهته في أي وقت، كان مولر يختار الثقة في يهوه. وقد قال هو في هذا الصدد: "كن مطمئناً أنك إذا سرت مع يهوه، وتطلعت إليه وتوقعت العون منه، فهو لن يخذلك أبداً". كان إيمان مولر هو حصيلة اختباره في أن يختار ممارسة الثقة بغض النظر عن الظروف المعاكسة. وأوضح ذلك بالقول، "إذا خذلني يهوه، فستكون هي المرة الأولى".
والكتاب المقدس مليء بالقصص التي تروي معاملات يهوه وتفاعلاته مع أبنائه الأرضيين. أما السبب الأساسي خلف كل قصة وردت في الكتاب المقدس، فهو أن يُلهم الإيمان في قلوب المؤمنين. وابتداءً من معجزة النجاة عند البحر الأحمر، وانتهاءً بقصة الأرملة التي تضاعفت لديها كمية الزيت القليل الذي كان لها لكي تتمكن من دفع ديونها، كل هذه الأحداث لمعاملات يهوه الماضية تهدف إلى تشجيع الإيمان والثقة في القلوب ليتأكد الناس أن ذاك الذي أظهر قدرته الفائقة لصالح شعبه في العصور السالفة، هو مستعد بذات القدر أن يفعل الأمر ذاته اليوم إذا وثق فيه شعبه.
كل ابن ليهوه قد اختبر الصعوبات في وقت أو آخر. فدانيال مثلاً أخِذ أسيراً وجُعل خصياً في بلاط ملك عدو لشعب يهوه. كما أن يوسف الصديق سُجن ظلماً، وأيوب فقد أبناءه وثروته وسمعته. وأستير أخِذت من بين أفراد عائلتها وجُعلت زوجة لملك وثني كان يكبرها بكثير.
لا يحول يهوه دائماً دون وقوع بعض الأمور السيئة. ويسرد لنا الأصحاح الحادي عشر من سفر العبرانيين، وهو الأصحاح الذي يطلَق عليه لقب "ساحة الإيمان المشهورة"، يسرد العديد من الأمثلة عن أُناس رغم مواجهتهم لصعوبات وتجارب معقدة ولا يمكن التغلب عليها، انتصروا، ليس بقوتهم الذاتية، بل بالإتكال التام على وعود يهوه. أولئك هم محاربوا الإيمان وأبطاله الذين "بالإيمان قهروا ممالك، صنعوا براً، نالوا مواعيد، سدوا أفواه الأسود، أطفأوا قوة النار، نجوا من حد السيف، تقووا من ضعف، صاروا أشداء في الحرب، هزموا جيوش غرباء، أُخِذت نساء أمواتهن بقيامة: وآخرون عُذبوا ولم يقبلوا النجاة لكي ينالوا قيامة أفضل: وآخرون تجربوا في هزء وجلد ثم في قيود أيضاً وحبسٍ: رٌجموا، نُشِروا، جُربوا، ماتو قتلاً بالسيف، طافوا في جلود غنمٍ وجلود معزى، معتازين، مكروبين، مذلين، (وهم لم يكن العالم مستحقاً لهم): تائهين في براريّ وجبال ومغاير وشقوق الأرض... لذلك نحن أيضاً إذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا، لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يهوشوه" (عبرانين 11: 33 - 12: 2).
الحاجة العظمى لكل فرد هي الإيمان في المواعيد الإلهية. ذلك ما تُعَلمه قصص الكتاب المقدس. أما التجارب والصعوبات التي تعترض طريقنا، فهي وسيلة السماء لتعلمنا الإيمان والثقة. قوة يهوه تكفي لتلبية كل طلب، وهي من السعة والكبر لحل كل طارئ. أما القيد الوحيد عليها فهو فيما إذا كان الشخص يمارس الإيمان لينالها: "كل شيء مستطاع للمؤمن" (مرقس 9: 23). "لكن بدون إيمان لايمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذي يأتي إلى يهوه يؤمن أنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" (عبرانيين 11: 6).
أعطِيت قصص الكتاب المقدس لتشدد إيمان المؤمنين، وخاصة في هذه الأيام الأخيرة من تاريخ الأرض. وعلى شعب يهوه أن يقفوا أمام العالم أجمع حاملين الحق الذي لا يحظى بشعبية، والخاص بسبت اليوم السابع الذي ينص عليه التقويم الكتابي القديم. وجميع الذين يواجهون التزام حفظ الوصية الرابعة، سيدركون بسرعة، أهمية العبادة في يوم محدد. وبالتالي ينبغي أيضاً أن يكون التقويم المستخدم لتحديد ذلك اليوم، تقويماً دقيقاً لحساب الوقت.
نظراً لأن العالم قد اتحد في الإعتماد على استخدام التقويم الشمسي الذي يتبنى الدورة الأسبوعية المستمرة، فإن القرار بالتعبد وفق تقويم آخر، يصبح قراراً صعباً إذ أنه يكشف على الفور عن مجموعة كاملة من المعضلات التي لم تكن معروفة من قبل. والخوف الأساسي بالنسبة لمعظم الناس الذين يرغبون في التعبد في سبت الكتاب الحقيقي (السبت القمري)، يكمن في إمكانية فقدانهم لعملهم أو وظيفتهم. وهذا بدوره يكشف عن مخاطر أقوى بالنسبة للذين يعانون من الديون: كيف لي أن أدفع أقساط السيارة التي اشتريتها؟ هل سأفقد منزلي؟ وماذا عن القروض الطلابية الخاصة بي؟ أمامي الكثير من هذه القروض لأسددها.
ولا ننكر أن هذه كلها مخاوف واقعية. والعديد من شعب يهوه يواجهون هذه القضايا ذاتها. والحاجة الماسة لأي شخص في مثل ذلك الموقف، هي الحاجة إلى الإيمان – إيمان لا يتزعزع حتى لو سقطت السماء. الأمر الوحيد الذي حذر منه يهوشوه أبناءه مراراً كثيرا، هو افتقارهم إلى الإيمان: "ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟" (متى 8: 26)، "لماذا شككت يا قليل الإيمان؟" (متى 14: 31)، "أين إيمانكم؟" (مرقس 8: 25).
وعلى العكس من ذلك، حينما مارس الناس الإيمان، أثنى عليهم فوراً: "ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاك" (متى 9: 22)، "يا امراة عظيم إيمانك ليكن لك كما تريدين" (متى 15: 28). "اذهب إيمانك قد شفاك" (مرقس 10: 52). أراد يهوشوه أن يوضح حقيقة أن نسبة ما يمكن أن يعمله لأي شخص، كانت تتوازى وتتناسب طردياً مع مقدار الإيمان الذي يمارسه هذا الشخص.
كلمة "الإيمان"، هي إحدى الكلمات التي كثيراً ما تتردد بشكل جزافي في الأوساط الدينية، ومع ذلك فنادراً ما تُفهم في معناها الحقيقي. الإيمان ليس هو الشعور. وكثيراً ما يتشكك الناس في أن صلواتهم قد سُمعت ما لم تغمرهم موجة من المشاعر والعواطف الجيدة. ولكن هذا أبعد ما يكون عن الإيمان. فواجبك لممارسة الإيمان يكون عندما تشعر بالخوف وليس السلم، بالحزن وليس الفرح، بالضعف وليس القوة.
الإيمان الحقيقي هو، "موافقة العقل على حقيقة ما، يُصّرح بها شخص آخر، معتمِداً على سلطة هذا الشخص ومصِداقيته دون غيرها من الأدلة، هو الحُكم بأن ما يُصّرح به الآخر أو يشهد به، هو الحق" (عن القاموس الأمريكي وبستر نوح للغة الانجليزية، 1828). الإيمان هو ببساطة الثقة في وعد يهوشوه وأن يختار الشخص أن يصدق أن ما قاله، فهو سينفذه اعتماداً على ما هو عليه بوصفه كلي المحبة، وكلي القدرة، دون الحاجة إلى أي دليل أو إثبات آخر للتصديق.
طلب قائد مئة روماني، ذات يوم، من يهوشوه أن يشفي خادمه. "فقال له يهوشوه، أنا آتي وأشفيه. فأجاب قائد المئة وقال، يا سيد لست مستحقاً أن تدخل تحت سقفي. لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي. لأني أنا أيضاً إنسان تحت سلطان. لي جند تحت يدي. أقول لهذا اذهب فيذهب، ولآخر ايتِ فيأتي، ولعبدي افعل هذا فيفعل. فلما سمع يهوشوه تعجب وقال للذين يتبعون، الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل ايماناً بمقدار هذا... ثم قال يهوشوه لقائد المئة، اذهب وكما آمنت ليكن لك" (متى 8: 7-10، 13).
عندما طلب قائد المئة مساعدة يهوشوه. استجاب المخلص على الفور مؤكداً، "أنا آتي". ودهش قائد المئة لأنه لم يتوقع أن إسرائيلياً يرضى بالدخول إلى بيت رجل وثني مثله. فأجاب بسرعة، "كلا، هذا ليس ضرورياً، لكن قل كلمة فقط فيبرأ غلامي". فقال يهوشوه لجميع الحاضرين، "ذلك هو الايمان". يحتوي الكتاب المقدس على كلمة يهوه المؤكَدة، تلك الكلمة ذاتها التي أوجدت الكون. وعندما تؤمن أن كلمة يهوه تتضمن القوة على تحقيق ما تعد به، وتختار أن تثق بما قال أنه سيفعله، فأنت عندئذ تمارس الإيمان. ذلك ما يحتاجه شعب يهوه أكثر من أي شيء آخر عندما يواجهون المعضلات التي تعترض كل الذين يكرمون خالقهم بالتعبد في يوم سبته.
الأمر الجميل حقاً هو أن الإيمان يُعتبر عطية من يهوه، وقد وهب للجميع قدراً كافياً منه لكي يؤمنوا أنهم إن طلبوا المزيد، فسينالون المزيد من الإيمان. ولكن لكي ينمو هذا الإيمان ويصبح حقيقة واقعية في حياتك ينبغي أن يمتحن ويختبر. "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير"... (رومية 8: 28)، بحيث أنه مهما حدث فإن قوة يهوه القادرة على التحويل والتغيير، ستحّول الإيمان الكامل إلى حقيقة واقعية. "يعمل الإيمان دائماً بطريقة شخصية، لأن هدف يهوه هو أن يرى أن الإيمان الكامل قد صار حقيقة واقعية في ابنائه" (أوزوالد تشامبرز، "أقصى ما عندي لبلوغ الذروة التي وضعها يهوه") .
يعلم يهوه أنك بحاجة إلى الإيمان. والطريقة الوحيدة لتنمية الإيمان الصلب في قدرة ياه للعناية بك فردياً، هي أن تواجه معضلات مستعصية عن أي حل بشري. ولا يهم حقاً إن كانت هذه المعضلة هي في إمكانية خسرانك لوظيفتك أو عملك بسبب حفظك للسبت، أو رهن عقاري قد يتسبب في خسرانك لبيتك أو سيارتك: فإذا كانت المعضلة في نطاق قدرتك أو قدرة أحد معارفك على حلها لك، فهي لن تبني إيمانك وتقويه.
مهما كانت المعضلة التي تواجهك بسبب طاعتك، فإن يهوه يعلم كل ما يتعلق بها. كل تجربة مصَمَمة "حسب الطلب" كما يقولون، وكأنها مفَصّلة تفصيلاً لتناسب حالتك لتساعدك على تطوير الإيمان في أبيك السماوي، والاعتماد عليه خلال أيام المحنة التي تمر بها. ويكون من الأفضل جداً لو أنك اضطررت إلى خسران بيت مريح وجميل، لتسكن في شقة بسيطة متواضعة وأصغر حجماً، عن أن تحيد عن طاعتك لإرادة يهوه المعلنة. فليس غير الذين يمارسون الطاعة الكاملة، يمكنهم المطالبة بالوعود.
يوفر يهوه الوعود التي تلبي كل طارئ وكل احتياج. فبعد أن تكون قد فعلت أقصى ما تستطيع في إطاعة إرادته المعلنة، يبقى عليك أن تختار الإيمان به لأنه لايمكن أن يكذب. وإيمانك في عنايته الإلهية لن ينمو ويتقوى بدون المعضلات البشرية المستعصية. فالغرض الصريح للتجارب التي تواجهك هو منحك الفرصة لتدريب إيمانك حتى ينمو ويتقوى. وبدون هذا الاختبار لن ينمو إيمانك بأكثر مما تنمو عضلاتك التي لا تمرنها. ونظراً لأن لكل إنسان حالة متميزة، فلا توجد نصيحة محددة يمكن تطبيقها على كل ظرف فردي. وهناك سبب لكون معضلاتك تتخطى قدرتك أو الموارد المتاحة لك للتعامل معها. فلم يقصد يهوه أن البشر يوفرون العون الذي يريد هو أن يوفره. وهو أبينا السماوي، لا يجعل في مقدور أي شخص أو أيه مؤسسة، مثلا مثل موقع "إنذار"، أن يقدم الأجوبة أو المال لكل معضلة تواجه أولاد يهوه. فالهدف من معضلاتك، هو مساعدتك على تطوير الإيمان فيه وليس الاعتماد على حكمة أصدقائك أو على موارد الآخرين.
وقد تكون التجارب التي تعترض سبيلك أفظع بكثير مما واجهته من قبل، وقد تكون المخاوف والأخطار حقيقية جداً. ولكن من خلال كل ذلك، فإن المسلك الأكثر أماناً لك هو الطاعة والثقة. وتأكد بأن دوافع يهوه الرحيمة خلف كل تجربة هي جذبك أقرب إليه. "لأن يهوه لا يرفض إلى الأبد. فإنه ولو أحزن، يرحم حسب كثرة مراحمه. لأنه لايذل من قلبه، ولا يُحزن بني الإنسان" (مراثي إرميا 3: 31، 33).
يستطيع يهوه أن يمحو قروضك. ويستطيع أن يملأ محفظتك بالمال. ولكن هذا لن يبني إيمانك الذي أنت في مسيس الحاجة إليه. وهذا الإيمان لن ينمو إلا عندما تتدخل العناية الإلهية لتحل لك المعضلة الإنسانية المستعصية على الحل.
أما المعضلات الأصعب فهي تلك التي نشعر اننا نحن الذين جلبناها على أنفسنا من خلال عمل طائش غير حكيم، كأن تندم مثلاً وتقول:
- ما كان ينبغي أن أشيَّد ذلك البيت الواسع المرتفع التكاليف.
- ما كان ينبغي أن آخذ هذا القرض.
- كان من الأفضل لو أنني أصلحت سيارتي القديمة عوض شراء أخرى جديدة.
- لماذا أ خذت كل هذه القروض المدرسية الكثيرة؟
عندما يكون الشخص قد وقّعَ على الأوراق والمستندات، ووعد بأن يعيد دفع وتسديد ما أخذ، يداخله شعور بالالتزام بأنه إذا لم يوفي بكلمته، فهو بذلك يهين الخالق. ولكن ليس على أحد أن يفقد إيمانه في إرشاد يهوه المحب إذا انتهى به الأمر بفقدان الوظيفة أو بعدم قدرته على إعادة دفع القروض."ها إن يد يهوه لم تقصر عن أن تُخَلص، ولم تثقل أذنه عن أن تسمع" (إشعياء 59: 1). علينا أن نستمر في إتباعه وطاعته، حتى عندما لا نفهم تماماً طريقة قيادته وأسبابها.
الاخبارات ذاتها التي نجدها أكثر صعوبة، هي نفسها التي تمس لها الحاجة لصقل صفاتنا. ومن الممكن أيضاً أن يكون يهوه في حاجة إلى شهود أمناء مثلما كان أيوب الذي ظل على إيمانه وثقته بغض النظر عن ظروفه المعاكسة. وقد يكون السبب خلف مرورك في وديان التجارب هو خلاص نفسك.
وحتى لو كنا نحن الذين أوقعنا أنفسنا في الصعوبات والتعقيدات المتشابكة التي لم تكن إرادة أبينا يهوه أن نوّرط أنفسنا فيها، فلا يزال باستطاعتنا المجيء إلى الآب السماوي لنصلي باسم ابنه حتى يمنحنا الحكمة لنري مسلكاً آمناً لنسير فيه. وقد وعد يهوه بمنح الحكمة لكل من يطلبها منه:
"وإنما إن كان أحدكم تعوزه حكمة، فليطلب من إيلوهيم الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يعّير، فسيُعطي له. ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه. فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند يهوه. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" (يعقوب 1: 5-8).
يهوه أحكم جداً من أن يجيب صلواتنا بالطريقة ذاتها التي نفضلها. فقد يكون من الممكن أن مِحنة إفلاسنا أو فقدان الوظيفة أو المنزل، أو حتى سمعتنا، هي الشيء الوحيد الذي تعلم الحكمة الإلهية اللامتناهية، أنه سيدفعنا إلى الإعتماد التام عليه. فإذا كان هذا هو اختبارك، فواصل ثقتك وطاعتك ليهوه، عالماً أنه آب عطوف محب:
"كراع يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحِملان وفي حضنه يحملها، ويقود المرضعات" (إشعياء 40: 11).
من المأمون لك أن تثق في يهوه في كل حالة، عالماً أنه سيقودك دوماً بطريقة، ما كنت أنت لتختار سواها لنفسك لو استعطعت أن ترى المستقبل مثلما يفعل هو، والخطة المجيدة التي يتممها في حياتك.
قوة الكلي القدرة تدعم كل وعد قطعه على نفسه، وبالتالي فلا يوجد عذر لك لعدم تقديم الطاعة – حتى وإن كانت تلك الطاعة للحق ستكلفك وظيفتك أو منزلك أو سيارتك أو سمعتك أو زواجك، أوحتى حياتك.
"هل أنت مُجرب؟ إنه سيخلصك. أضعيف أنت؟ هو سيقويك. أم أنت جاهل؟ إنه سيشرق بنوره عليك. وهل أنت جريح؟ هو سيشفيك. إن يهوه، يُحصي عدد الكواكب، ومع ذلك فهو يشفي المنكسري القلوب ويجبر كسرهم (مزمور 147: 3، 4). وهو يدعونا قائلاً: "تعالوا إليّ". فمهما كانت همومك وتجاربك، ابسط حالتك واكشفها أمامه. وستتشدد روحك وتتجلد على الاحتمال. وسيفتح أمامك الطريق لتتخلص من الارتباكات والصعوبات. كلما ازددت معرفة بضعفك وعجزك، ازددت قوة بقوته. وكلما ثقلت أحمالك، أحسست بسعادة الراحة عندما تلقيها على حامل الأثقال. إن الراحة التي يمنحها المُخّلِص تتوقف على بعض الشروط، ولكن هذه الشروط محّددة بكل وضوح ويمكن للجميع أن ينفذوها. إنه يخبرنا بدقة كيف يمكننا أن نجد راحته" (مشتهى الأجيال صفحة 306، للكاتبة إلن هوايت).
إن الذين يطيعون يهوه في كل شيء، لهم حق المطالبة بكل وعد منحه لهم في محبته اللامتناهية. وليكن استفسارك الوحيد هو، ما هو أمر يهوه ووصيته لي؟ وما هو وعده؟ وإذ تعلم ذلك فأنت ستطيع أمره وتثق في وعده.
لا تخف من أن تطلب إعادة التفاوض بخصوص القرض. فإن ياه قد يعمل بهذه الطريقة.
لا تكن شديد الكبرياء بحيث لا تبحث عن عمل آخر لجزء من الوقت (أي عمل غير دائم لفترة 8 ساعات كل يوم).
لا تتردد في أن تعيش وفق محدوديات مواردك. فقد تضطر لبيع منزلك الفخم وترضى بمنزل آخر أصغر حجماً تشتريه دفعة واحدة أو حتى تستأجره. وعندما تعرض عقارك للبيع في السوق ولا يوجد من يشتري، يستطيع ياه أن يرسل لك من يشتريه.
عندما ترتفع نسبة البطالة ولا تتوفر فرص العمل، يستطيع ياه أن يرتب الأمور بحيث تجد وظيفة.
يسمح يهوه ببعض المعضلات لكي يبني من خلالها ايمان الشخص. وينبغي أن تكون المعضلة التي تواجهها من النوع الذي يستعصي عليك حلها، لأنها عندئذ ستدفعك إليه ليوفر لك الحل. وما لم يأتِ ذلك الحل من الإيمان والصلاة، فلن ينمو إيمانك ويتقوى. فعليك أن ترى في كل تجربة وضيقة ، دعوة للصلاة.
يوفر الكتاب المقدس المفتاح لكل معضلة تواجهك وأنت سائر في طريق الطاعة. "افرحوا في كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء" (1 تسالونيكي 5: 16-18). إن أقصى وأشد التجارب، متى ُقبلت بتواضع وإيمان، سيأتي في أِثرها اليقين الهادئ والأكيد بأن ياه يرى ويسمع ويعمل كل شيء من أجل مصلحتك الأبدية.
كتب تشارلز سبارجون، خادم الانجيل المشهور والذي قاوم بشدة التداخلات اللاهوتية التحررية، قائلا:
"طلب الرجال والنساء شيئاً من يهوه وحصلوا عليه من أمام العرش السماوي، إذ أنهم طالبوا بالوعد وأصّرواعلى عدم العودة من دون تحقيقه. وبالفعل عادوا من أمام عرش يهوه منتصرين للعلي القدير، لأن الصلاة تحرك ذاك الذي يُحرك العالم. وكما قال أحدهم، "الصلاة هي عصب ياه. إنها تحرك يده"، وبالتالي فالصلاة المصحوبة بقوة القلب المؤمن، تأتي بالإتمام الجميل للنص القائل، "سيضع قوة في داخلي"... فامضي قُدماً أيها المسيحي: لأن ذلك هو الوعد، "هو سيضع قوة فيَّ. ورغم ضعفي فإني أستطيع بقوته أن أفعل كل شيء" (تشارلز سبارجون "الإيمان على نقيض المخاوف").
لا يوجد بشر عنده الأجوبة لكافة تساؤلاتك. وموقع "إنذار"، ليس لديه الحل لكل معضلاتك. إنه لامتيازك الخاص أن تسير بالايمان لترى كيف سيتعامل يهوه مع مشاكلك. وصلاتك هي سلاح دفاعك ضد كافة هجمات العدو.
يدعوك يهوه قائلاً: "ادعني في يوم الضيق" (مزمور 50: 15). إنه يدعونا جميعاً أن نتقدم إليه بكل مربكاتنا واحتياجاتنا الضرورية وحاجتنا للعون الإلهي. وهو يشجعنا على الصلاة بحرارة وجدية ومثابرة. وعلينا حالما تظهر الصعوبات أمامنا، أن نتقدم إليه بالتماساتنا المخلصة الجادة. وبصلواتنا المُلِحة هذه، نعطي الدليل على ثقتنا القوية في إيلوهيم. إن شعورنا بحاجتنا يحثنا على الصلاة الجادة، وأبونا السماوي يتأثر بتضرعاتنا.
غالباً ما يميل أولئك الذين يعانون الاضطهاد بسبب ايمانهم، إلى التفكير بأن يهوه قد تُخلى عنهم. وهم في نظر الناس، ضمن الأقلية، ويبدو للعيان أن أعدءهم سينتصرون عليهم. ولكن عليهم ألا يخالفوا ضمائرهم. فذاك الذي تألم من أجلهم وحمل أحزانهم وأوجاعهم لن يتخلّ عنهم أو يتركهم.
ابناء يهوه غير متروكين لشأنهم بدون حماية. فالصلاة تحرك ذراع القادر على كل شيء ...
"إذا سلمنا حياتنا لخدمته، فلن نوضع في مركز لم يُعد لنا يهوه فيه كل معونة وامداد. فأياً يكن وضعنا، فإن لنا مرشداً يهدي خطواتنا، ومهما تكن مشاكلنا فإن لنا مشيراً أميناً، ومهما يكن حزننا أو حرماننا أو وحشتنا، فإن لنا صديقاً عطوفاً. وإذا كنا في جهلنا نضل فيهوشوه المسيح لا يتركنا. إن صوته الصريح الواضح يُسمع قائلاً: "أنا هو الطريق والحق والحياة" (يوحنا 14: 6). "لأنه ينجي الفقير المستغيث والمسكين إذ لامعين له" (مزمور 72: 12).
ويعلن يهوه أن الذين يقتربون منه ويخدمونه بأمانة يكرمونه، "ذو الرأي الممكن تحفظه سالماً سالماً لأنه عليك متوكل" (إشعياء 26: 3). إن ذراع القدرة ممدودة لتقودنا إلى الأمام باستمرار. يقول المخلص: تقدموا فسأرسل لكم العون. فلأجل مجد اسمي تسألون فتأخذون. وسأتمجد أمام من يتوقعون فشلكم. وسيرون كلمتي تنتصر بمجد عظيم. "كل ما تطلبون في الصلاة مؤمنين تنالونه" (متى 21: 22).
فليصرخ إلى يهوه المتضايقون والمظلومون. تحولوا عن الذين قلوبهم غدت من فولاذ، ولتُعلَم طلباتكم لدى خالقكم. لن يخيب أبداً من يأتي إليه بقلب منسحق. ولايمكن أن تضيع أي صلاة مخلصة. ففي وسط تسبيحات أجواق السماويين يسمع يهوه صرخات أضعف إنسان. إننا نسكب أشواق قلوبنا في مخادعنا، وننطق بالصلاة ونحن سائرون في طريقنا، فتصل صلواتنا إلى عرش ملك الكون. قد لا تسمعها أذن بشرية، ولكنها لا يمكن أن تتلاشى في السكون، ولا يمكن أنها تضيع في غمرة نشاط الأعمال التي تتم. لا يمكن لشيء أن يُغرق أشواق النفس. إنها ترتفع فوق ضجيج الشارع وضوضائه وفوق شغب الجموع وتصل إلى السماء. إننا إنما نتحدث إلى يهوه وصلاتنا تُسمع.
أنتم يا من تحسبون أنكم أقل الناس استحقاقاً، لا تخافوا من أن تسلموا قضيتكم إلى يهوه. إنه عندما بذل نفسه في شخص ابنه لأجل خطية العالم، أخذ على عاتقه قضية كل نفس، "الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء؟" (رومية 8: 22). أفلا يفي بكلمته الرحيمة التي أعطاها لنا لأجل تشجيعنا وتقويتنا؟" (المعلم الأعظم صفحة 163-165 للكاتبة إلين هوايت).
إن الشخص الذي يقّدم لك السبت الحقيقي، سيكون على الأرجح هو الشخص الذي لن يحررك من مربكاتك ليسّهل عليك الطاعة. فالطاعة في ذات طبيعتها ينبغي أن تكلف شيئاً. وقد اعترف يهوشوه بهذه الحقيقة عندما قال موضحا: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم، ويتبعني". والصليب الذي يتوجب على الجميع حمله، هو صليب الطاعة – وهو صليب يختلف من شخص لآخر لأنه مُصمم لأن يكون محدداً ومناسباً لما يحتاجه كل شخص من أجل تطويره وتنميته روحياً.
وقد كان يهوشوه واضحاً في إنذاره بأن ربح ملكوت السموات يتطلب التخلي عن كل شيء آخر. وليس فقط الرغبة في ترك كل شيء بل بالأحرى تركه بالفعل.
"أيضاً يشبه ملكوت السموات كنزاً مُخفيً في حقل، وجده إنسان فأخذه. ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل". أيضاً يشبه ملكوت السموات إنساناً تاجراً يطلب لآليء حسنة فلما وجد لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن، مضى وباع كل ما كان له واشتراها. (متى 13: 44-46).
الخلاص هو عطية مجانية، ولكن لن يحصل عليه أحدا ممن يواصلون العصيان التعمدي. ونظراً لأنه قد جُهزت كافة الاستعدادات اللازمة للجميع لكي ينتصروا، فإنهم بلا عذر إن هم هلكوا. السبب الأساسي لعدم رغبة الناس في حمل صليب الطاعة، هو الكبرياء. فهم قد ألِفوا بيتهم المريح أكثرمن أية إقامة أخرى متواضعة. يحبون الشهرة التي تتأتى من وظيفة يتقاضون منها أجراً مرتفعاً، وبالتالي لا يريدون مواجهة الحَرَج من فقدان الوظيفة أو الخسارة التي يمكن أن تنجم عن فقدان البيت أو السيارة إذا هم تقاعسوا بالنتيجة عن دفع أقساطها.
من السهل على يهوه أن يحل المعضلات التي تواجهك. فموارده بلا حدود. ومع ذلك يصعب على الخطاة أن يطوّروا إيماناً ثابتاً به. ويهوه لن يجبرك أبداً على ممارسة الإيمان في وعوده. فهو إذ يحب الحرية ويحترمها، يترك الاختيار لك أنت. "يوجد في الإيمان ما يكفي من النور للذين يريدون أن يؤمنوا، وما يكفي من الظلال لتُعمي الذين لايريدون ذلك". (بلايز باسكال).
اتخذ قراراً متعمداً وصمم تصميماً ثابتاً أن تثق في خالقك وفاديك. فالحياة الأبدية جديرة بذلك، حتى وإن كلفك ذلك كل شيء. افرح دائماً، وفي كل شيء قدم الشكر، واسعى دائما أن ترى في كل شيء، فرصة للصلاة. لا يوجد جبل أضخم من أن يحركه يهوه، ولا مسافة أبعد من أن يعبرها. وهو سيسمع صلواتك وسيرتب الأحداث بحيث تكون أعظم بركة لك في النهاية.
الايمان هو الغالب!
"لأن كل من ولد من يهوه يغلب العالم. وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا" (1 يوحنا 5: 4).