Print

البر بالإيمان

audience مِن أهم العوامل التي أطلقت شرارة الإصلاح البروتستانتي ردةُ الفعل على الممارسات الغير المعقولة للكنيسة الكاثوليكية في بيعها صكوك الغفران عن الخطية في بداية القرن السادس عشر. في ذلك الوقت، كانت القدرات المالية لوسط أوروربا تتعرّض للاستنزاف المستمرّ من جانب الكنيسة الكاثوليكية التي أنفقت المال في بناء كنيسة القديس بطرس. واشتهرت قصة الرجل الذي اشترى صك الغفران لخطية سرقة صكوك الغفران من نفس الرجل الذي كان قد باعه إياها.

بدأ إدراك البر بالإيمان مع مارتن لوثر في زيارته إلى روما. لقد ذُهل لوثر لما رآه هناك من تفاخر الكهنة وفسادهم على كل درجاتهم. وأثناء صعوده سلم بيلاطس على ركبتيه لينال صكّ الغفران لخطاياه هو، غرقت أفكاره فجأة في الآية التي تقول:  "البار بالإيمان يحيا".   فنهض من على ركبتيه وبدأ بالإصلاح في ألمانيا بناءً على هذا المبدأ ذاته.

علينا أن نتذكّر على الدوام أنّ اختبار لوثر في رؤية الخطية والتعدي على الوصايا العشر، في الكنيسة، كان هو الباعث على إدراك البرّ بالإيمان. إنّ فكرة كون الإيمان بيهوشوه المسيح من دون طاعة الشريعة يمكن أن تضمن الخلاص، تتعارض بكل معنى الكلمة مع تعاليم لوثر وتجربته، فكم بالحري تتعارض أيضاً مع تعليم بولس وحياته.

لكنّ التبرير بالإيمان لم يبدأ مع لوثر، وادرك لوثر أيضا أنّ عبادة القديسين وذخائرهم (بقايا أجسادهم) وأفعال السجود في الكنائس والأصوام والاعتقاد بالمطهر والعديد من الأشكال الأخرى للقداسة، لا يمكنها أبداً أن تخلص أحداً. كما أنّ مفهوم التبرير بالإيمان لم يبدأ مع بولس في العهد الجديد. إذ إنّ سفر التكوين مبنيّ، في أساسه، على هذا الحقّ الجليل منذ بداية طرد آدم وحواء من جنة عدن إلى إعلان إبراهيم عن إيمانه العظيم وصولاً إلى اعتراف يوسف بالتدبير الإلهي. كان الخلاص على الدوام هدية النعمة الإلهية لا أجراً نناله بجهودنا البشرية.

ظهر في صفحة حقوق النشر من مجلة الريفيو أند هيرالد لعدة سنوات تلخيص بمبادئ العقيدة:
الكتاب المقدس، والكتاب المقدس وحده، هو دستور الإيمان والممارسة
شريعة يهوه، كما يعلمها الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ثابتة لا تتغير
المجيء الشخصي للمسيح (يهوشوه)، وقيامة الأبرار، قبل الملك الألفي
إعادة الأرض إلى كمال جنة عدن وبهائها، وميراث القديسين الأخير
الخلود فقط في يهوشوه المسيح، يناله القديسون عند القيامة

لا نرى في هذه التصريحات معمودية يهوشوه وموته وقيامته وصعوده إلى المقدس السماوي ليشفع في الأمناء ويكفّر عن خطاياهم. بالطبع، كان مؤسّسو تلك المجلة يؤمنون بهذه الأمور. لكنّ حقيقة أنّ هذه الأمور لم تُذكر في الخلاصة أحدثت فجوة بين شريعة يهوه والمجيء الثاني للمسيح. وهذا أدّى إلى شيوع التبشير الذي أهمل هذه الحقائق. وهذا النقص أثار انتباه المؤمنين في اجتماع المجمع العام سنة 1888 في مدينة مينيابولس, حيث بشّر شيخا الكنيسة، واغنر وجونز، برسالة البر بالإيمان.

لقد كُتب الكثير بخصوص موضوع البر بالإيمان. وكثير من هذا الكثير لا يعدو كونه مجرّد افتراضات يُؤسف لها.

"يخطئ الكثيرون إذ يحاولون أن يعيّنوا بدقة الخط الرفيع الفاصل بين التبرير والتقديس. ويُقحمون في فهم هذين المصطلحين أفكارهم وافتراضاتهم الخاصة. لماذا نحاول أن نكون أكثر دقة من الوحي بخصوص هذه المسألة الحيوية، مسألة البر بالإيمان؟

Ten Commandments in Heaven وإذ يفهم الخاطئ التائب النادم على خطاياه كفارة (يهوشوه) المسيح التي تنوب عن الخاطئ، ويقبل هذه الكفارة باعتبارها أمله الوحيد في هذه الحياة وفي المستقبل، عندئذ ينال العفو عن خطاياه. هذا هو التبرير بالإيمان.

التقديس ليس وليد لحظة ولا ساعة ولا يوم بل وليد العمر بأكمله. ولا يناله أحد بشعور خاطف بالسعادة، ولكنه نتيجة الموت المستمر عن الخطية ونتيجة الحياة المستمرة لأجل يهوشوه المسيح. لا يمكن تصحيح الأخطاء ولا إجراء الإصلاح في الخلق بواسطة جهود ضعيفة متقطّعة. لا يمكننا أن ننتصر إلا من خلال المجهود الطويل المثابر، والانضباط المؤلم، والصراع الشديد الصارم.

إنّه (أي التكريس) ليس مجرّد نظرية أو عاطفة أو نظم من الكلمات، لكنه مبدأ محيي وفعال ذو صلة وثيقة بحياتنا اليومية. وهو يستدعي أن تُكرّس عاداتنا في المأكل والمشرب والملبس لتؤمّن الحفاظ على صحتنا الجسدية والذهنية والأخلاقية، وذلك كيما نقدم للسيد أجسادنا ، ليس كذبيحة ملوّثة بالعادات الخاطئة، ولكن باعتبارها "ذبيحة حية مقدّسة مرضية عند يهوه".

إنّ الأسفار المقدسة هي القوة العظيمة في تجديد الخلق وتغييره... وإذا دُرست كلمة يهوه بروح الطاعة، عندئذ تعمل في القلب وتُخضِع كل ميل غير مقدّس.

لا وجود لما يُدعى بالتقديس الفوري. إنّ التقديس الحقيقي هو عمل يومي يستمر طول الحياة" (إلن ج. هوايت، الإيمان الذي أحيا به، ص. 116).

نّ هذا الاقتباس يقدم لنا نصيحة ثمينة ومعلومة هي_ في الواقع_ تلخيص مختصر لكامل هذا الموضوع. أولاً وقبل كل شيء، تُظهر أنّ كل ما يقوله الكتاب المقدس بخصوص هذا الموضوع كافٍ ووافٍ، وأنّه ينبغي لنا أن نقنع بذلك وأن لا ندخل في افتراضات إضافية. إنّ التخمين نشاط هامّ يمتاز به الانسان، لكنّ هذا النشاط ليس ملائماً في كل الحالات. وهذه إحدى الحالات التي لا يلائمها الافتراض على الإطلاق. وفي نفس الوقت، يُظهر أنّ البر بالإيمان يشمل كلاً من التبرير والتقديس.

يُعرّف التبرير على أنّه اختبار التوبة. وهذا يعني أنّ هذا الاختبار لا يمكن أن يتحقّق إلا بشرط التفكير مليّاً في الشريعة_ الوصايا العشر_ التي تعرّف ماهية الخطية. إنّ غفران الخطية يحدث عندما يقبل الخاطئ التائب المنسحق القلب كفارة يهوشوه المسيح. أما التقديس فهو، بالأحرى، أمر أكثر تعقيداً وأصعب من أن يُعرّف بسهولة. إنّه (أي التقديس) تغيير الأخلاق الذي يستمرّ طيلة الحياة ويحدث بدراسة كلمة يهوه وطاعتها. وكلمة يهوه تلك تعمل في القلب، وتُخضع كل خُلق غير مقدّس. فكلاهما (التبرير والتقديس) عمل إلهي ، لكنهما عملان يستلزمان تعاوناً من جانب البشر بالتمسّك بكفّارة يهوشوه المسيح عن طريق الإيمان، وبالرجوع يومياً إلى كلمة يهوه. إنّ الأمر الذي يقود إلى افتراضات لا مبرّر لها بهذا الخصوص هو محاولة تحديد ما ينتمي إلى الشقّ الإلهي وما ينتمي إلى الشقّ البشري، وما يخصّ التبرير وما يخصّ التقديس. إنّ خير سلوك في هذا الموضوع هو السعي للوصول إليهما (التقديس والتبرير) وترك الجدال جانباً.

لا تُستعمل كلمتا "الإيمان" و"البرّ" سوياً إلا في قليل من الآيات. ولكنّ هاتين الكلمتين تشيران إلى بداية الكتاب المقدس. فأول مَن قيل عنه أنّه نال البر بالإيمان هو هابيل. "بالإيمان قدم هابيل ليهوه ذبيحة أفضل من قايين. فبه شُهد له أّنه بارّ إذ شَهد يهوه لقرابينه. وبه وإن مات يتكلم بعد" (عبرانيين 11: 4). و نحن نقع تقريباً على كل تلك النصوص في الرسائل التي كتبها بولس الرسول. لكنّ بطرس أيضاً يجمع بين هذين التعبيرين (الإيمان والبرّ)، إذ يقول: "سمعان بطرس عبد يهوشوه المسيح ورسوله إلى الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً مساوياً لنا ببرّ يهوه والمخلّص يهوشوه المسيح " (2 بطرس 1: 1). إنّ القيمة الحقيقية هي في الإيمان الذي يتمسّك ببر يهوه ذاته لا في الإيمان الذي يتمسّك بنوع افتراضي من البر الخاص بنا نحن. كما أنّ بولس أيضاً يقدّم لنقاشه عن البر الناتج عن الإيمان بنفس الأسلوب،"أنْ فيه معلن برّ يهوه بإيمان لإيمان كما هو مكتوب: أمّا البارّ فبالإيمان يحيا "(رومية 1: 17). ويستطرد بولس فيعرض لفكرة أنّ برّ يهوه كونه البر الوحيد الذي ينبغي أن نسعى لنواله، ليس محدوداً بفئة معينة من الناس. وهذا استنتاج بديهي واضح طالما أنّ هذا البرّ ليس بر الإنسان بل بر يهوه. " برّ يهوه بالإيمان بيهوشوه المسيح إلى كلّ وعلى كلّ الذين يؤمنون. لأنّه لا فرق " (رومية 3: 22).

 من المؤكّد أنّ بر يهوه وحده هو البر الحقيقي الفعال المتاح لكن الناس من دون تمييز. ولكن حتى الآن لم يُرَ كيف ينتقل هذا البرّ إلى البشر. وفي هذا النص وصف لهذه العملية: "متبرّرين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيهوشوه المسيح الذي قدّمه يهوه كفّارة بالإيمان بدمه لإظهار برّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال يهوه" (رومية 3: 24، 25).

إنّ الفكر البشري شديد الفساد والانحراف حتى أنّ الإنسان ينشغل بمسألة ما يجب عليه أن يفعله. إنّ التفكير بما يسمّى "الأعمال" يظهر في كتابات بولس. " وأما الذي لا يعمل ولكن يؤمن بالذي يبرّر الفاجر فإيمانه يُحسب له برّاً" (رومية 4: 5). لكنّ الخلاف ينشأ في دائرة تحديد الأعمال العقيمة التي لافائدة تُرجى منها. وفي أيام لوثر، كانت، في معظم الحالات، هذه الأعمال مسألة َ طقوس لا علاقة لها بالكتاب المقدس. وفي أوقات بولس، كان السؤال المُلحّ في اليهودية يتعلق فيما إذا كان لزوماً على البالغ المهتدي للمسيحية أن يُختن أم لا. وهكذا انتقل هذا الخلاف إلى الكنيسة الأولى أيضاً.

"أفهذا التطويب هو على الختان فقط أم على الغرلة أيضاً؟ لأنّنا نقول إنّه حُسب لإبراهيم الإيمان برّاً "(رومية 4: 9). ويتناول بولس مثال إبراهيم، "وأخذ علامة الختان ختماً لبرّ الإيمان الذي كان في الغرلة ليكون أباً لجميع الذين يؤمنون وهم في الغرلة كي يُحسب لهم أيضاً البرّ" (رومية 4: 11).

ومن المثير للاهتمام أنّ بولس تفادى الخوض في مسألة الأفعال الصالحة كأعمال من الأساس، وقد شدّد على فكرة إتاحة البرّ بالإيمان للبشرية جمعاء. نعيد لنؤكّد على أنّ التركيز في هذا الوعد ليس على البشرية كما قد يُفهم من الكلمة ، إذ إنّ هذا قد يفترض ضمناً وجود الأعمال، بل إنّ بيت القصيد هو في نسل إبراهيم، الذي هو للمسيح الذي صار وارثاً لكل شيء. إنّ إتاحة الخلاص لكل الناس لا يأخذ حيّز التطبيق بين كل الناس، بل بين الذين هم من الميراث الذي أخذه يهوشوه المسيح. وهذا هو السبب المنطقي الذي يفسر عدم فعالية الأعمال. "فإنه ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثاً للعالم بل ببرّ الإيمان" (رومية 4: 13) "فماذا نقول؟ إنّ الأمم الذين لم يسعوا في أثر البرّ أدركوا البرّ، البرّ الذي بالإيمان" (رومية 9: 30). وهكذا فإنّ الأعمال تتحدّد، كما هي الحال مع الختان، باعتبارها تخصّ شعباً ما بدلاً من أن تكون، بكل بساطة، خاصة بكل المؤمنين الذين هم ميراث يهوشوه المسيح. كما أنّ الملكوت المعيّن من يهوه فيما يخصّ البر بالإيمان قد تمّ إهماله بشكل كبير، وهذا يفسّر أيضاً وجهة النظر المنحرفة التي تفترض وجود علاقة بين الأعمال والإيمان، الأمر الذي ترثي له إلن هوايت أعلاه.

وبالنظر إلى أنّ البرّ بالإيمان هو الميراث الشرعي ليهوشوه الذي يرث العالم ويغلب الموت ويصير ينبوع الحياة، فإنّ الأمر كله متوقف بشكل مباشر على علاقة الإنسان بقيامة يهوشوه المسيح. "وأما البر الذي بالإيمان فيقول هكذا:...الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك أي كلمة الإيمان التي نكرز بها. لأنّك إن اعترفت بفمك بالسيد يهوشوه وآمنت بقلبك أنّ يهوه أقامه من الأموات خلصت. لأنّ القلب يؤمَن به للبرّ والفم يُعترف به للخلاص" (رومية 10: 6, 8- 10).

ويقدم بولس عرضاً أكثر إيجازاً لأهل غلاطية، "فإننا بالروح من الإيمان نتوقّع رجاء برّ" (غلاطية 5: 5).

في كلا رسالتي رومية وغلاطية، يضع بولس البر الذاتي العديم النفع في مرتبة ثانية بالمقارنة مع الناموس. وسياق هذا الحديث هو بالطبع الجالية اليهودية في روما في القرن الأول الميلادي، حيث تم التركيز على الناموس بحيث تعرض الناموس للتشويه وإساءة الفهم. إنّ ركيزتي إيمان بني إسرائيل كانتا: الناموس والممسوح من يهوه، أي شخصية المسيح. وكان الرومان سريعيّ الانزعاج من أي منافس لقيصر. ولأجل البقاء على قيد الحياة، صبّ اليهود تركيزهم على الناموس ووضعوا جانبا ً التركيزَ على المسيح. وقد فعل الفريسيّون هذا على طريقة الربيّين التي تقضي بتطبيق الناموس على كل جوانب الحياة. أما الصدوقيون فقد فعلوا ذلك عن طريق ما ظنّوه تطبيقا ً حرفيّا ً للناموس لكنّ هذا التطبيق كان مقصورا ً على النواحي المنصوص عليها في الناموس تاركين بذلك بقية جوانب الحياة بهدف المساومة مع الرومان. وبالتالي يكون كلا الفريقين_الفريسين والصدوقيين_ قد أيّد نوعا ً من بر الناموس الذي أنكر يهوشوه المسيح. وفي نفس الوقت، تمّ اعتبار دور يهوشوه المسيح كملك دورا ً مركزيا ً. فلا يكون بولس، بذلك، نصير إيمان جديد بل نصير إيمان الإسرائيليين المحافظ، ذلك الإيمان الذي كان كامل الولاء للحاكم المُعيّن أي الملك الذي يؤسس يهوه حكمَه. وهذا يظهر بشكل ملخّص في فيلبي 3: 9، "وأوجد فيه وليس لي برّي الذي من الناموس بل الذي بإيمان يهوشوه المسيح، البرّ الذي من يهوه بالإيمان".

ولكنّ هذا لا يُحِلّ الناس من التزاماتهم الأخلاقية بعد مجيء يهوشوه المسيح أكثر مما لم يُحلّ الناس من هذه الالتزامات عينها قبل أن يأتي يهوشوه، أو قبل ذلك تحت حكم الملوك الممسوحين على مملكة إسرائيل، أو حتى أيام المسحاء من القضاة، وفي عهد الآباء. لم يكن بوسع كلّ من مُسحوا في الماضي إلا أن يُشبعوا حاجات الناس الجسدية والأرضية. وكان حفظ الوصايا العشر بشكل حرفي غاية ووسيلة في آن واحد. ولكن حفظ الوصايا لم يكن ليمنع الموت عن الناس. أما يهوشوه المسيح فيقدر أن يضمن الحياة الأبدية، وهو لا يؤمّن أقل مما كان المسحاء يؤمّنونه في العهد القديم، أولئك المسحاء الذين أمّنوا الوسيلة لحفظ الوصايا العشر. لكنّ يهوشوه المخلّص يؤمّن أكثر من ذلك. هو يوفّر الحياة الأبدية للذين يرثهم عبر غلبته على الموت. ولهذا، فإنّ الرسول بولس, في رسالته إلى تيموثاوس، يجمع بين مصطلحي البر والإيمان بالإضافة إلى التقوى والمحبة والصبر والوداعة: "وأما أنت يا إنسان يهوه فاهرب من هذا واتبع البرّ والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة" (1 تيموثاوس 6: 11).

man struggling in the waterإنّ الفضائل الإيجابية الحسنة تُكمّل بالهرب من الخطية، "أما الشهوات الشبابية فاهرب منها، واتبع البرّ والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون السيد من قلب نقي" (2 تيموثاوس 2: 22). وهكذا يمكننا العثور على نظرية لاهوتية كاملة فقط بدراسة عدد قليل من النصوص الكتابية التي تذكر صراحة كلمتي: "البرّ"، و"الإيمان".

 ولعلّ أكثر تشبيه عن البر بالإيمان يسترعي الانتباه ويستحق الإعجاب هو الفلك (فلك نوح). فمن حفظوا الناموس على نحو كامل ولكن لم يدخلوا إلى الفلك، غرقوا مع الخطاة الأشرار في الخارج. لا شيء آخر كالفلك يقدر أن يعبر بوضوح وبلاغة عن الطريقة التي من خلالها، والسبب الذي من أجله، لا يأتي بر الإيمان بأعمال الناموس. "بالإيمان نوح لمّا أٌوحي إليه عن أمور لم تُرَ بعد خاف فبنى فلكاً لخلاص بيته فبه دان العالم وصار وارثاً للبرّ الذي حسب الإيمان" (عبرانيين 11: 7).