Print

حياة العزوبة: (أسرار الإتمام والإكتفاء)

إن الشوق لأن يكون الإنسان محبوباً وينال التقدير والقيمة من الآخرين، هو أمر أساسي لكل نفس بشرية. فمعظم الناس يبحثون عن ذلك المعنى من الإنجاز والإكتفاء والرضى، في شريك آخر، سواء كان ذلك الشريك هو "شريك الحياة" من ذات الجنس حيث توجد سلسلة من العلاقات والشؤون مع عدم وجود التزام دائم. أو يبحثون عنه في علاقة مع أحد الأفراد من الجنس الآخر (أي رجل مع  انثى)، فإن الواعز المحرك خلف كل هذه العلاقات، هو الرغبة في العثور على شخص ما يقبل حقاً ويحب ويقدر الطرف الآخر لشخصه الذاتي.

الأفلام والرويات والموسيقى الشعبية المشهورة، تسهم جميعها في اعتقاد الشخص أنه ما لم يرتبط "بحبيبة حياته"، فهو يكون غير مكتمل، وبالتالي غير قادر على الحصول على السعادة الحقيقية. والأغاني الرائجة مثل "كيف استطيع العيش بدونك" (مايكل بولتون ودوجلاس جامز). و"إني أبقي كل حبي لك" (ماسر وجري كوفن) و"حب بلا نهاية" (ليونل ريشي)، وغير ذلك الكثير من الأغاني الأخرى، كلها ترتكز على "الحب الرومانسي". وينجرف كثيرون إلى الاعتقاد بأنه إذا لم يكن للإنسان شريك يُشعِره بتلك العواطف والمشاعر الجياشة التي تعّبر عنها كلمات تلك الأغاني، فإن حياته تمسي ناقصة وتفتقر إلى الإشباع والرضى.

ويمكن لهذه المشاعر أن تكون جادة وشديدة خاصة بين العُزّاب أو الذين يعيشون منفردين.

هذه الرغبة في التوحد مع شخص آخر يتفهمك ويحبك ويقبلك على ما انت عليه (وما انت لست عليه)، قد غرسها في داخلنا الخالق نفسه، وهي جزء مهم جدا من كونك تشعر بالسعادة الحقيقية والإكتفاء والرضى، لإننا خُلقنا بتلك الحاجة لأن تكون لنا علاقة حميمة بشخص آخر.

أما المعضلة  في هذا الأمر فتكمن في أن الشيطان قد ساق الكثيرين لأن يتطلعوا ويبحثوا عن تلك العلاقة في المكان الخطأ، ومع "الشخص" الخطأ.

وكان الرسول بولس واضحاً في تحذيره من هذا الخطأ، إذ قال:

smiling Asian woman"انظروا أن لايكون أحد يسبيكم بالفلسفة وبغرور باطل حسب تقليد الناس، حسب أركان العالم وليس حسب المسيح. فإنه فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً. وأنتم مملوؤون فيه الذي هو رأس كل رياسة وسلطان"  (كولوسي 2 : 8 – 10).

أن يكون الشخص "مكتملاً"، يعني أن تُلبى احتياجاتك ورغباتك بشكل تام. والإكتمال هو ما يتوق إليه الجميع. ولكن وفقاً للكتاب المقدس فإن أي اعتقاد أو تعليم يدفعك للإعتقاد أنك ستجد الإكتمال والإنجاز والرضى في أي شخص آخر غير الفادي، هو ليس تعليماً، بل بالأحرى "تقليد الناس" المشحون بالمخادعات الفارغة والذي سيضلك في النهاية.

والحقيقة الأكيدة هي أنه ليس غير يهوشهوه وحده يستطيع تلبية شوق القلب البشري إلى الحب والقبول والتفهم في قلب الآخر. أما البلسم الوحيد المهدئ للعزلة والتفرد الذي يعاني منه الجميع، سواء كانوا عزاباً أم متزوجين، فهو في العلاقة والشركة الوثيقة مع يهوه من خلال المسيح.

من الصعب جداً على البشر قبول هذه الحقيقة البسيطة، ومع ذلك فهي قوية. لماذا ؟ لأن فلسفات العالم الفارغة قد غزت كافة مجالات ونواحي التعليم بما في ذلك المجال الروحي. وهذه الفلسفات لها تأثير قويلأنها تنشأ في الأساس من الشيطان أبو جميع الأكاذيب. وهي أيضاً مشهورة وتحظى بشعبية لأن أكاذيب الشيطان تروق لمنطق التفكير البشري وللمشاعر والرغبات الدنيا. أما الحق الروحي فلا يحظى بهذا الشوق من جانب القلب البشري الطبيعي. ويوضح لنا الرسول بولس هذه الحقيقة إذ يقول:

"ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح يهوه: لأنه عنده جهالة، ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" (1 كورنثوس 2 : 14).

الحق الروحي يبدو جهالة لعقولنا الطبيعية لأنه يختلف بشكل جذري عن فلسفات هذا العالم وتعاليمه وتقاليده العديمة الجدوى. "وكلما كان الحق أكثر معنى أو قوه، كلما ابتعد بشكل ملحوظ عن تعليم وفلسفات هذا العالم، وكلما بدا ذلك الحق على أنه جهالة وحماقة لعقولنا الطبيعية". (جريجوري جاكسون، "كيف يعمل الخضوع، على جعل الزواج أكثر سعادة، والطلاق بركة، الحياة العازبة المكتفية"، ص 151 – 152).

 يساهم المجتمع  ووسائل الإعلام الشعبية في الترويج للاعتقاد بأن الشخص بدون رفيق او شريك بشري، لايمكن أن يختبر الإنجاز والإكتفاء والرضى. وشوق الشخص لأن يتوحد مع شخص آخر يجعل العُزّاب والمنفردين، يترددون في إيجاد الإنجاز والإكتفاء والرضى في خالقهم. لقد أصبحنا متشبعين بالاعتقاد أن التكامل والإنجاز لايمكن أن يتأتى إلا من شخص بشري آخر، بحيث أصبح الكثيرون يخافون من الدخول في علاقة وثيقة مع يهوه، ظانين أنه لا يستطيع تلبية كافة الاحتياجات التي يواجهها الشخص العازب. ولكن الحقيقة التي قد تبدو مغايرة تماماً لذلك، هي أن الكتاب المقدس يؤكد أنه ليس سوى الخالق وحده يستطيع تلبية حاجة الشخص في كافة مجالات حياته.

إن العازب الذي يتوق إلى الإنجاز والإكتفاء والاتحاد مع شخص آخر، سيجد كل ذلك في ذات المكان الذي يجده فيه المتزوج، أي في يهوه وحده. قد يبدو ذلك صعب التصديق بالنسبة لمعظم الناس، ومع ذلك، فإذا كان لأي شخص أن يختبر الإكتفاء والرضى في التوحد، فعليه أن يفعل ذلك بالإيمان. "لأن جهالة يهوه أحكم من الناس. وضعف يهوه أقوى من الناس" (1 كورنثوس 1 : 25).

قدم أحدهم وصفاً جيداً للتناقض بين الواقع الروحي، وبين أكاذيب الشيطان، عندما كتب عن عرض يهوشوه َووَصْفهُ لحكمة يهوه، فقال هذا الشخص:

"يبدو أنني تصورته طوال حياتي

على أنه أحكم بني البشر جميعاً

ولكن إذا كانت حكمة الوهيم المقدسة هي جهالة للإنسان،

فلا بد أنه بدا وكأنه فقد عقله.

لأن حتى عائلته قالوا عنه مجنون،

بينما قال الكهنة أن به شيطان.

ولكن يهوشوه إذ كان في هيئة ذلك الشاب "الغاضب"

لم يكن يمكن أن يبدو أنه عاقل تماماً.

عندما ظننا في غبائنا أننا حكماء،

لعب هو دور الغبي وفتح أعيننا.

وعندما كنا في ضعف ونظن أننا أقوياء،

صار هو عاجزاً ليُظهر أننا مخطئين.

(مايكل كارد "جهالة يهوه").

إن التردد في قبول حقيقة أن يهوه يستطيع تلبية كافة احتياجاتنا لكي نختبر الإنجاز والتكامل، يرجع إلى أن المجالين اللذين يشغلان بالأكثر بال الشخص العازب ويناضل ضدهما، هما:  

1) الشعور بالعزلة.

2) المشاعر الجنسية.

فبالنسبة للحكمة البشرية، لا يبدو معقولاً أن باستطاعة يهوه تلبية هذه الاحتياجات في مجاليهما المختلفين. فالمجالان يشكلان صراعاً كبيراً بالنسبة للبشر. فكيف ليهوه أن يلبي بالتمام حاجة المرأة إلى الشركة والرفقة، وهي تعيش منفردة وفي عزلة تامة؟ وكيف له أن يلبي رغبات الرجل الجنسية؟

إن الإفتقار إلى الإيمان بأن يهوه سيتمم ما وعد به، نتج عنه العديد من الزيجات التعيسة. فالعديد من الأشخاص يرضون بشريك أقل من مثالي، لمجرد أن الرغبة المحركة والدافعة لإشباع هذين المجالين، هي من القوة والشدة بحيث أنهم لايصدقون، ولا حتى يعرفون، أن باستطاعة يهوه تلبية هذين المجالين أيضاً.

العزلة: إذا توخينا الصراحة نقول أنه لولا الشعور بالعزلة، لفضّل معظم الناس الحياة بمفردهم. فالإنسان في هذه الحالة لن يكون مسؤولاً عن احتياجات أي شخص آخر أو احترام خلافات الآخرين. فهو يتناول طعامه متى شاء ذلك، ويزيّن بيته بما يرغب فيه، وينفق نقوده ووقته كما يشاء. كل ذلك دون الحاجة للتشاور مع شخص آخر. تسطيع أن تفعل ما يحلو لك وقتما تريد.

ولكن الحاجة لأن يشعر الشخص أنه محبوب، تستلزم عليه أن ينشئ علاقة حميمة مع شخص آخر مهم بحيث ينتهي الألم والفراغ المصاحب للعزلة والتفرد. وفلسفة العالم تقضي أن أية علاقة مع أي شخص محدد آخر تكون مقبولة طالما أن هذه العلاقة lonely woman peering out of a windowتبدو أنها ستحل معضلة العزلة. وعندما يدرك الشخص أن هذه العلاقة لا تحل له معضلة العزلة، عنئذ يكون حراً لأن ينهي هذه العلاقة ويبحث عن علاقة أخرى تلبي احتياجاته. ولكن الكنيسة المسيحية تُعّلم، من الناحية التقليدية، وتدعو إلى نهج  أكثر تشدداً لحل معضلة الشعور بالعزلة. فالكنيسة توافق على أن الشعور بالعزلة يشكل معضلة ينبغي حلها من خلاال دخول من يعاني منها في شركة علاقة أو ألفة مع شخص آخر محدد... ومع ذلك فالكنيسة تضيف عادة بعض المبادىء والارشادات لتجعل هذهالعلاقة أكثر تقييداً مما تفعله فلسفة العالم. وما عَلّمَت به الكنيسة تقليدياً هو أن العلاقة الوحيدة المقبولة هي علاقة الزواج (تكوين 2: 24)، وأن الشخص المحدد والمهم الوحيد لهذه العلاقة هو شخص من الجنس الآخر. ( تكوين 1: 27؛ 2: 23). (جريجوري جاكسون، "كيف يعمل الخضوع، على جعل الزواج أكثر سعادة، والطلاق بركة، الحياة العازبة المكتفية"، ص 152 - 153).

الحقيقة هي أن الزواج لا يوفر الإنجاز والاكتفاء والاكتمال الذي يتوق إليه حقاً القلب البشري. والاعتقاد أن العلاقة الحميمة والوثيقة مع إنسان آخر يمكن أن توفر الانجاز والاكتمال، هو فلسفة بشرية تعمقت في اعتقاد الناس بحيث أن الكثيرين متى تمت مواجهتهم بحقائق وأحوال الزيجات غير السعيدة، يظلوا متمسكين بالاعتقاد أن الزواج كان سيكون مختلفا عما هو عليه من تعاسة، لو أنهم فقط وجدوا الشريك المناسب.

كثيرون هم الذين يكذبون على أنفسهم قائلين. "ما كان زوجي ليعاملني هكذا. وما كنت لاتزوج من رجل (أو سيدة) كهذا". ولكن الحقيقة هي أن الناس لهم حرية الاختيار التي وهبهم إياها يهوه. فشريك الزواج الذي يبدو أنه كامل في العشرينات من عمره، قد يطور بعد ذلك بخمسة عشرة سنة أو عشرين سنة، صفات أخرى تختلف تماما عن تلك التي أظهرها وهو في العشرينات. وهو يفعل ذلك بناء على حرية اختياره.

توجد ثلاثة أنواع من الشعور بالوحدة أو العزلة: 1) شعور بالعزلة قبل الزواج. 2) شعور بالعزلة في الزواج.  3) شعور بالعزلة بعد الزواج. والفرق الوحيد بين شعور العزلة قبل الزواج، والشعور به بعد الزواج، هو أن العزلة في الزواج تجعل الشخص يدرك أن زواجه من شريك آخر لا يزيل الشعوربالوحدة. بل العكس هو الصحيح، إذ يمكن أن يشعر الشخص بعزلة أكبر في الزواج عندما تظهر أمامه الإختلافات الواضحة بين ما يظن أنه يجب أن يكون أو بين الواقع الذي يعيشه في الزواج. وكثيراً ما يبدد الزواج الفعلي كافة الأحلام والتوقعات التي احتضنها الشخص وتخيلها قبل الزواج.

أما العلاقة الوحيدة التي تشبع كل أشواق القلب البشري فهي العلاقة الشخصية التي تكون بين كل فرد وبين المُخَلّص. فهو وحده يستطيع تلبية احتياجاتك، وأن يقدم لك حباً غير مشروط ويدعم أحلامك وتطلعاتك ويقبلك بما أنت عليه (وبما أنت لست عليه)، ويساعدك لتنمو وتتطور لتحقق الهدف الذي من أجله خُلقت. ليس غير الاتحاد مع خالقك يمكن أن يبدد شعورك بالوحدة والعزلة. وقد أوضح يهوشوه مرسليته في هذه الكلمات: "أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل" (يوحنا 10 : 10).

غالباً ما يميل الناس، (ولاسيما النساء)، الذين لم يسبق لهم الزواج إلى الشعور بأنهم غير مكتملين، وكأن قطار السعادة الحقيقية قد فاتهم. إن الشوق لأن يختبر الإنسان الحب والدفء في الزواج، والرغبة في المشاركة وفي التقارب الجنسي الحميم، وفي انجاب الأطفال – هذا كله يمكن أن يُلقي بظلاله القاتمة على العديد من الأفراح والمباهج التي توجد في حياة الشخص.

إنه لخطأ جسيم لأي شخص أن يُضيّع سنوات حياته هباء وهو يتمنى لو أنه حصل على ما لم يحصل عليه أبداً. المشاعر هي نتاج الأفكار. والعقل لايحكم تلقائياً فيما إذا كانت business manمشاعرنا صحيحة أم خاطئة، لأن المشاعر هي ببساطة نتيجة تتدفق الأفكار. فإذا كان الشخص العازب يُركّز على مشاعر عدم الكفاية والرفض، فهو بذلك يقدم دعوة مفتوحة للشيطان لأن يأتي ويُعَذّب ذلك الشخص بمشاعر الندم والحسرة والتطلعات. أما عطية  يهوه فهي الإنجاز والإكتفاء والرضى من خلال الرفقة والشركة والفرح فيه ومعه. وهذا شىء لا يمكن لهذا العالم الشرير أن يقدمه. وأما عطية يهوه فهي حقيقية وأكيدة أكثر مما يمكن لأي شخص أن يختبر مع رفيق أو شريك بشري.

وفّر يهوه الجواب لكل احتياج يواجه خلائقه الذين أوجدهم. فالحاجة لتعضيد الحياة، توجد في الطعام والماء والهواء الذي خلقه يهوه. والحاجة إلى الموسيقى توجد في الحان وتغاريد الطيور، والحاجة إلى التحفيز الذهني، توفرها العجائب الكثيرة الموجودة في خليقة يهوه، بالاضافة إلى الحقائق العميقة المسطورة في كلمته التي توفر لنا مادة للدراسة والتأمل خلال عصور الأبدية غير المتناهية: وحاجتك التي أوجدها فيك يهوه، إلى علاقة حميمة وألفة وثيقة مع شخص آخر، يستطيع الخالق وحده أن يلبيها لك أيضاً.

ويوضح الكتاب المقدس كيف تستطيع أن تجد الاكتمال والإنجاز والرضى في حياتك، وذلك من خلال وضع الأشياء الأولى أولاً، إذ يقول: "اطلبوا أولاً ملكوت يهوه وبره وهذه كلها تزاد لكم" (متى 6 : 33) . ومتى فعلت ذلك، تستطيع حتى وأنت عازب أن تستمتع بحياة غنية ومجزلة.

إن ألم العزلة والشعور بالوحدة، ما هو إلا عارض فقط يدل على أن حاجتك للشعور بأنك محبوب وذات أهمية للآخرين، لم تتحقق على نحو كامل. وكلما كانت هذه الحاجة أقل تحقيقاً، كلما زاد شعورك بألم العزلة والوحدة. ولكن متى َوضَعْتَ الأمور الأولى أولاً، (فيهوه) سيتمكن عندئذ من تلبية هذه الحاجة لك ليس ففقط من خلال نعمته المعجزية، بل أيضاً من خلال العلاقات الحميمة مع بشر آخرين. إن جوعنا وشوقنا للحصول على البر، يتيح للروح القدس لأن يملأنا بمحبة (يهوشوه المسيح) غير المشروطة. ومحبة (يهوشوه) هذه غير المشروطة، ليست أقل ولا تختلف عن محبة يهوه أبينا السماوي. وهذه المحبة تملأ القلب بالشبع والإكتفاء بحيث ُتلزِمنا على مشاركتها مع الآخرين. وإذ نشارك محبة المسيح هذه، غير المشروطة، مع الآخرين الذين يتقبلونها بفرح، فإن روحنا ترتبط بروحهم، وبالتالي يتكون بيننا وبينهم علاقة روحية وثيقة...

وَضْع الأمور الأولى أولاً، يتيح للعازب أن يختبرالفرح الذي يناله المتزوج من علاقته الحميمة مع شخص آخر. كثيرون يظنون خطأ، أن بهجة هذه العلاقة الوثيقة، تأتي من خلال الجماع الجنسي. ولكن هذا ليس صحيحاً على الإطلاق. فالألفة الحميمة التي بين المتزوجين، إنما يشكلها روح يهوه الآب في داخل أرواح المتزوجين. وهذا بدوره يجعل الزوجين يلتصقا ببعضهما على مستوى أعمق بكثير من مستوى الجسد، وهما ما لم يتمتعا بألفة وشركة الروح الوثيقة، فإن الممارسة الجنسية لا تأتي لهما بالبهجة الحقيقية، ولا بالرضى والإكتفاء الدائم. والافتقار إلى ذلك التفهم، قد أدى بالكثير من الزيجات إلى الطلاق، وأدى بأكثر من هؤلاء إلى مواصلة الزواج شكلياً فقط. (المرجع السابق، ص 170و171).

يهوه هو الذي خلق في داخلك الرغبة والشوق إلى الألفة والعلاقة الحميمة مع شخص آخر. أما فلسفة البشر التي أوعز بها الشيطان، فقد أدت بالكثيرين لأن يحققوا تلك الرغبة وهذا الشوق من خلال السعي في إيجادها في شخص آخر. ولكن الحقيقة هي أنك لن تجد تلبية لتلك الحاجة إلا في خالقك وحده. وما عليك إلا أن تقبل بالإيمان حقيقة أن ذاك الذي خلقك، له القدرة أيضاً لأن يلبي احتياجاتك، بما في ذلك حاجتك للتوحد مع شخص آخر يجيب عن صرخات القلب المنفرد والمنعزل.

العواطف الجنسية: خُلقَ البشر ليستمتعوا بالعلاقة الجنسية مع شريك الحياة من جنس مختلف (أي ذكر مع أنثى). ولهذا السبب فإن العديد من العُزَاب (غير المتزوجين)، لا يدركوا أبداً أن يهوه يستطيع أن يلبي ويُشبِع هذا المجال أيضاً من حياتهم. وحتى الذين يتوقفون قليلاُ ليتأملوا في هذه الإمكانية، غالباً ما يترددون في تسليم هذا المجال من حياتهم بالتمام ليهوه، نظراُ لخوفهم من أن يصبحوا غير طبيعيين، أو من أن يفقدوا حتى كل عواطفهم الجنسية، في حالة أتاحوا له أن يلبي مشاعرهم وعواطفهم الجنسية. وهذا بدوره يرتبط بخوف مماثل في أنهم إذا أتاحوا ليهوه أن يلبي ويزيل ألم عزلتهم، فمعنى ذلك أنهم لن يتزوجوا أبداً.

مثل هذه المخاوف، لا أساس لها على الإطلاق. فهذه المخاوف والتشككات إنما تأتي من الشيطان. فأنت خُلِقت وبداخلك هذه الرغبات والمشاعر الجنسية.

المعضلة هي أن الخطية قد حَرّفت ما قد أعطاه يهوه، لتجعلنا عبيداً لرغباتنا وعواطفنا الجنسية. ولكننا متى أخضعنا هذه الرغبات والعواطف لسيطرة الروح القدس، كل يوم، وسمحنا (ليهوشوه) أن يلبيها لنا ويشبعها، فهو سيحررنا من العبودية. وهذه الحرية لا تُزيل مشاعرنا الجنسية وتقضي عليها، بل هي بالأحرى تعيد إلينا السيطرة التي كانت لنا عليها عندما خَلقنايهوه. وهذه القوة المستعادة، تتيح لنا الإستمتاع بالشبع والإكتفاء دون الحاجة لممارسة الجنس مع طرف آخر لم يرَ (يهوه) أنه من المناسب أن يربطنا به في الزواج.

هذا يصل بنا إلى التخوف الثاني والقائل: "إنني قد لا أتزوج أبداً إذا أتحت (ليهوشوه) أن يتعامل مع شعوري بالأنفراد والعزلة". إن الأساس المنطقي لهذا الخوف هو: "إذا جعلت (يهوشوه) أن يحل لي معضلة الشعور بالوحدة والعزلة بتلبية حاجتي للشعور بمن يحبني ويُقدّرني. وإذا جعلته يلبي لي رغباتي الجنسية، فإن (يهوه)، لن يلجأ أبداً إلى تلبية هذه الإحتياجات من خلال الزواج". ولكن هذا تفكير واستنتاج أبعد ما يكون عن الحقيقة. (فيهوه) هو الذي أسس الزواج. ومع ذلك فإنه لم يؤسس الزواج للأسبابyoung man deep in thoughtالتي نفكر فيها. فنحن نعتقد أن (يهوه) أسس الزواج لكي يلبي احتياجاتنا ورغباتنا الجنسية من خلال تلقي الحب من بشر آخر. ولكن الحقيقة هي أنه أسس الزواج ليلبي هذه الإحتياجات من خلال مشاركة محبته مع شخص آخر. ونتيجة مشاركة محبته هذه، نشعر نحن بمحبته لنا بأكثر عمق، ونجد تلبية أكبرلاحتياجاتنا ورغباتنا بما فيها تلك التي لها علاقة بالجنس.

ولكي يحقق الزواج هذه الغاية، علينا أن نُخضِع ذوانتا يومياً لسيطرة الروح القدس، ونتيح الفرصة (ليهوشوه) أن يكملنا، أو يجعلنا مكتملين. وبالتالي فإن الذين يسمحون (ليهوشوه) أن يلبي احتياجاتهم ورغباتهم، هم وحدهم الذين يكونون على استعداد لأن يتمموا الغرض الذي من أجله أسس ( يهوه) الزواج.  [المرجع السابق، ص، 172و 173].

إن التسليم الكامل ليهوه لن يُتقِص من رجولتك (أو من أنوثتكِ) شيئاً على الإطلاق بل العكس هو الصحيح إذ ستصبح أكثر رجولة وذكورة، إذ يزيل خالقك تأثيرات الخطية التي أضعفتك، ويستعيدك إلى ملء الرجولة الكاملة في يهوشوه المسيح.

لا حاجة بأحد لأن يخاف أنه إذا أخضع شعوره بالوحدة ورغباته الجنسة ليهوه، فإنه بذلك سيبقيه عازباً. فيهوه هو الذي خلق مؤسسة الزواج. وبوصفه الخالق والكلي القدرة، قال في هذا الصدد، "ليس جيداً أن يكون آدم وحده. فأصنع له معيناً نظيره" (تكوين 2 : 18). ويوجد سبب واحد فقط وليس من سبب غيره حول لماذا لا يجعلك يهوه "جسداً واحداً" مع شخص آخر. وهذا السبب بسيط وواضح وهو أنه يستحيل عليه أن يجد شخصاً آخر يربطك به. صحيح أنه يوجد ملايين الأشخاص في العالم. ولكن ليس كل هؤلاء يجعلونك سعيداً ومكتفياً بالمعنى الذي قَصَدَه يهوه في علاقة وشركة الزواج.

إن المسيحي الملتزم الذي يتزوج من شريكة حياة ليست ملتزمة بالتمام ليهوه، سيكتشف أن زواجه وبيته تخيم عليهما ظلال قاتمة لا تتبدد أبداً. وهذه الآثار المؤذية سينتج عنها حصاد من الألم يدوم مع الزوجين مدى حياتهما، إذ يريا التأثير السلبي الذي يؤثر على الناحية الروحية في حياة أبنائهما، ومن خلالهم إلى الأحفاد أيضاً. فإذا كنت تتوق إلى الزواج فعليك أن تجد اكتفائك وشبعك في خالقك وتثق في أنه سيوفر لك شريك الحياة المناسب إذا وُجد. ولكن احذر من أن تركض أمام يهوه وتسبق خطته لك بأن تتزوج لمجرد أن تشبع رغباتك. لأنك عنئذ ستجد أن خطوة كهذه لن تؤدي بك إلا إلى الألم والحزن وخيبة الأمل.

إن رغبتك في الاكتمال والإكتفاء والإنجاز والتي تحاول من خلالها التخلص من الشعور بالوحدة والعزلة والألم المتأتي عن افتقارك إلى علاقة المحبة والشركة؛ هذه الرغبة تدفع بالكثيرين للبحث عنها في شخص بشري آخر، بينما الحقيقة هي أنه ليس غير خالقك يستطيع تلبية احتياجاتك تلك. وما زالت الدعوة الكريمة مقدمة لنا جميعاً:

"تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب. فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحملي خفيف" (متى 11 : 28 – 30).

ويقَدَم هذا الوعد ليس فقط لإراحتك من الخطية، بل أيضاً من أي حمل يُثقِل قلبك ويؤثر على سعادتك. فثق في يهوه لأنه هو الذي خلقك، وبالتالي يعرف تماماً ما تحتاج إليه لكي تشعر بالسعادة والإكتفاء والإنجاز وبالحياة المجزية.

"ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب. طوبى للرجل المتوكل عليه. اتقوا يهوه يا قديسيه، لأنه ليس عوز لمتقيه. الأشبال احتاجت وجاعت، وأما طالبوا يهوه فلا يعوزهم شيء من الخير". (مزمور 34 : 8 – 10).

smiling woman