Print

التعيين المسبق: يانصيب إلهي؟



هل تحمل التذكرة الفائزة؟

يتم إرشاد معظم المسيحيين منذ الطفولة إلى أن المقامرة خاطئة. يعلم أولياء الأمور ومدرسي مدرسة الأحد أن السماء قد منحت هدايا ثمينة للإنسان ، وهو واجب إلهي أن نتميّز بالحكمة. لذلك ، فإن المخاطرة أو الهدر بهذه الهدايا من خلال القمار بها هي خطيئة. ومع ذلك، الملايين من المسيحيين يؤمنون بأن الخلاص نفسه نوع من لعبة اليانصيب.

إن عقيدة التعيين المسبق، التي أدخلها أولاً المصلح البروتستانتي جون كالفن في القرن السادس عشر ، تقلل من الأخبار السارة للخلاص إلى كونها ليست أكثر من لفة كونية للنرد ، لعبة إلهية للصدفة. فاذا اختارك يهوه لتكون واحدا من المختارين فيالك من محظوظ! و لكن إذا لم يخترك فيا لتعاستك! و ما من شيء يمكنك القيام به لتغيير مصيرك.

في حين أن أولئك الذين يؤمنون بالتعيين المسبق هم بدون شك مخلصون في اعتقادهم ، فإن هذه العقيدة خطيرة لأنها تشوه وتحرف طبيعة "يهوه" المحبة. يناقش هذا المقال المكونات المختلفة لعقيدة التعيين المسبق ويشرح كيف تتناقض هذه المعتقدات مع كلمة يهوه الموحاة ، مما يسيء تمثيل شخصية يهوه كما هو موضح في الكتاب المقدس.

تقوم هذه العقيدة على خمسة أركان أساسية:

للوهلة الأولى ، يتفق معظم المسيحيين إن لم يكن جميعهم مع بعض هذه النقاط على الأقل. ومع ذلك ، عند مقارنتها بعناية بالكتاب المقدس ، فإن التصريحات التي تبدو معقولة وحتى متسقة مع الكتاب المقدس ، هي في الواقع ، تناقضه. دعونا نلقي نظرة مرة أخرى على كل من هذه النقاط الخمس ، مقارنة كل منها بكلمة يهوه الواضحة.

الفساد/ العجز الكلي

الانسان شرير ميؤوس منه و عاجز عن العمل الصالح

ورثت البشرية جمعاء طبيعتنا الساقطة من آدم. " ليس بار ولا واحد.. . . .  إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد يهوه. "(رومية ١٠:٣ و ٢٣.) ليس هناك أي شك في إنزال الخطيئة الجنس البشري إلى الدرج الأسفل، إشعياء يعلن:" وقد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة كل أعمال برنا وقد ذبلنا كورقة وآثامنا كريح تحملنا "(إشعياء ٦٤: ٦)

عند استخدام الكتاب المقدس لدعم عقيدة التعيين المسبق، يمكن الخطا في التطرف. فالإنسان لو كان شريرا بالكامل، لما أمكننا إطاعة الدعوة إلى التوبة والرجوع عن الشر:

"حيّ أنا يقول السيد يهوه إني لا أسر بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا. إرجعوا إرجعوا عن طرقكم الرديئة. فلماذا تموتون يا بيت إسرائيل." (حزقيال ١١:٣٣)

علاوة على ذلك، إن كان الانسان عاجزا تماما عن عمل الصالح، فلا يمكن أن نكون مسؤولين عن خطايانا. إن الخالق العادل إذا فعل ذلك لخالف طبيعته المتسمة بالعدل الكامل.

الاختيار غير المشروط

خلاص البشر يعتمد كليا على التعيين الإلهي السابق للفداء

في حين أن هذا يبدو كتابيا لأن البشرية قد ورثت بشكل لا لبس فيه طبيعة ساقطة ، فإنه لا يزال غير صحيح. ينفي هذا الاعتقاد ممارستنا لحرية الإرادة في الاختيار. لم يمكن العثور على حرية الإرادة بين ثنايا تعليم التعيين المسبق لأن يهوه هو الذي يختار من يعيش و من يموت بناء على مرسوم إلهي تم تحديده مسبقا. لا بل إن الكلفانيين التقليديين يذهبون إلى أبعد من ذلك. لأنهم يعلمون بالتعيين المسبق المزدوج حيث يعين يهوه مسبقا جميع غير المخلصين للهلاك الأبدي.

المشاكل مع مثل هذا الاعتقاد ذات شقين:

أولاً ، إنها تدمر المساءلة الشخصية. قتل قاييل لهابيل يمكن العفو عنه من خلال الزعم بأن قايين قد "عُيِّنَ مسبقا" لكي يهلك، لذلك كان "مقدرًا" قتل أخيه. يعفى الشخص من عواقب أفعاله الخاطئة. فهو يزيل المسؤولية الشخصية عن كيفية تأثر الآخرين بأفعال الآخرين الخاطئة. في الواقع ، هذا بالضبط ما حاول قايين فعله.

يسجل الكتاب المقدس المحادثة بين يهوه وقايين بعد القتل:

وكلم قايين هابيل أخاه . وحدث إذ كانا في الحقل أن قايين قام على هابيل أخيه وقتله .

فقال يهوه لقايين أين هابيل أخوك ؟ فقال لا أعلم . أحارس أنا لأخي ؟ (تكوين ٤: ٨ -٩)

يلاحظ خطأ هذا الاعتقاد بسرعة عندما يرفض يهوه أعذار قايين ، معلناً:

فقال ماذا فعلت . صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض .

فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك . (تكوين ٤: ١٠ -١٢)

المشكلة الثانية في الاختيار غير المشروط هي أنه يعني أن يهوه قد أخطأ. ليس كل الكالفينيون يأخذون التعيين المسبق إلى هذا الحد ، لكن البعض يفعل ذلك ، وهذه مشكلة. إذا كان يهوه قد قضى كل شيء ، فقد أخطأ أيضا عندما اختار أن نفقد بعض النفوس. هذا يناقض الكتاب المقدس الذي ينص بوضوح على: "لا يقل أحد إذا جرّب أني أجرّب من قبل يهوه.لأن يهوه غير مجرّب بالشرور وهو لا يجرّب أحدا." (يعقوب ١٣:١)

محدودية الكفارة

يهوشوه مات فقط من أجل أولئك الذين قدرهم يهوه للخلاص. فموته لا يساعد بأي شكل أولئك المعينين سلفا للموت الأبدي

هذا الفداء الانتقائي ، في حين يتفق مع التعيين المسبق، لا يتفق مع الكتاب المقدس ، والذي يؤكد مرارا وتكرارا أن يهوشوه مات من أجل الجميع. في نبوءة إشعياء عن عمل المسيح ، كتب:

كلنا كغنم ضللنا ملنا كل واحد إلى طريقه ويهوه وضع عليه إثم جميعنا.

من تعب نفسه يرى ويشبع. وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها.

لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين. (إشعياء ٥٣: ٦ ،١١-١٢)

واحدة من أجمل مقاطع الكتاب المقدس التي تم الاستشهاد بها على نطاق واسع تؤكد ذلك من خلال إعلان أن يهوشوه قد مات من أجل العالم كله ، وليس قلة مختارة، محظوظة.

لأنه هكذا أحب يهوه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.

لأنه لم يرسل يهوه ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليخلّص به العالم. (يوحنا ٣: ١٦ -١٧)

النعمة التي لا تقاوم

هؤلاء الذين عينهم يهوه للخلاص لا يمكن أن يقاوموا النعمة الإلهية

هذا الاعتقاد يرفض التعاليم المركزية المتعلقة بالخلاص. إذ يقوم مرة أخرى على أن ليس أحدا لديه حرية الاختيار و كل إبن و إبنة لآدم ورثوا طبيعة خاطئة. يهوه "لا يشاء أن يهلك أناس. بل أن يقبل الجميع إلى التوبة" (٢ بطرس ٩:٣) ضحى يهوه بابنه كي يحصل الجميع على فرصة ثانية للاختيار بأنفسهم. إن نزع هذا الحق في الاختيار بواسطة مرسوم إلهي. لكان موت يهوشوه هباء.

هذا الاعتقاد ينص على أنه لا أحد ، مهما كان متمردًا عنيدًا أو راغبًا في التمسك بخطيئة مفضّلة ، يمكن أن يهلك إذا قرر يهوه خلاف ذلك. على العكس ، لا أحد ، بغض النظر عن رغبته أن يكون مثل يهوه ، سيتم إنقاذه إذا كان قد تم اختياره مسبقا ليكون هالكا. هذا الاعتقاد المدمر لا تدعمه التصريحات الواضحة للكتاب المقدس التي تضع القرار على الفرد فقط. "جماهير جماهير في وادي القضاء لأن يوم يهوه قريب في وادي القضاء." (يوئيل ١٤:٣)

مثابرة القديسين

من نال الخلاص، يظل دائما مخلصا

هذه العقيدة، مثلها في ذلك مثل النعمة التي لا تقاوم، تستعبد إرادة الإنسان أيضا. فكأنه لا يوجد كائن أدبي حر. إن حرية الشخص في الاختيار لا تنزع بمجرد قبوله عطية الخلاص. الرسول بولس يشير إلى إمكانية الهلاك:حتى بعد كل ما فعله لأجل توصيل الخلاص للآخرين!

"بل أقمع جسدي وأستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضا." (١ كورنثوس ٢٧:٩)

عقيده التعيين المسبق تتناقض مع مبادئ أخرى موجودة في الكتاب المقدس. من بين الكلمات الأخيرة المسجلة في الكتاب المقدس التي نطق بها المخلص هذا الأمر: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم ... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به .وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر .آمين" (متى ٢٨: ١٩ -٢٠) إذا كان يهوه قد حدد بالفعل الشخص الذي سوف يخلص، فإن التبشير لا يخدم أي غرض، إذ أن اختيار الجميع ليس له صلة بالتبشير، سواء تم إنجازه على الأرض أم لا.

علاوة على ذلك، إذا كان يهوه قد عين البعض بالفعل للخلاص، فمن غير المجدي الصلاة من أجل العائلة و الأصدقاء لأنهم سوف يخلصون أو يهلكون تبعا لاختيار يهوه المسبق، و ما من أحد يقدر على تغيير رأي الخالق في هذه النقاط! هذا الاعتقاد في التعيين المسبق ينفي مبدأ الصلاة الشفاعية في الكتاب المقدس. عندما أصرّ إسرائيل على تنصيب ملك عليهم، رفضوا ضمنا أن يكون يهوه ملك لهم. في ذلك الوقت، و بقلب كسير، نطق صموئيل الكلمات التي يتردد صداها إلى هذا اليوم:

وأما أنا فحاشا لي أن اخطئ إلى يهوه فأكف عن الصلاة من أجلكم بل أعلمكم الطريق الصالح المستقيم.

إنما اتقوا يهوه واعبدوه بالأمانة من كل قلوبكم بل انظروا فعله الذي عظّمه معكم.

وإن فعلتم شرا فإنكم تهلكون أنتم وملككم جميعا. (١ صموئيل ١٢: ٢٣ -٢٥)

يكشف هذا التصريح بوضوح أنه ستكون هناك مكافأة لخدمة يهوه، و نتائج سلبية للاستمرار في التمرد. لا شيء محدد سلفا و خارج عن السيطرة. قبل وفاته بفترة وجيزة، توسل موسى إلى جميع إسرائيل أن يمارسوا حرية اختيارهم الممنوحة لهم من يهوه باختيار البر:

أشهد عليكم اليوم السماء والأرض. قد جعلت قدامك الحياة والموت. البركة واللعنة. فاختر الحياة لكي تحيا أنت ونسلك.

إذ تحب يهوه إلهك وتسمع لصوته وتلتصق به لأنه هو حياتك والذي يطيل أيامك لكي تسكن على الأرض التي حلف يهوه لآبائك إبراهيم وإسحق ويعقوب أن يعطيهم إياها. (تثنية ٣٠: ١٩ -٢٠)

إن موسى، كليم العلي، ذلك الخادم المتواضع الذي كان يهوه يكلمه "وجها لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" (خروج ١١:٣٣) رفض رفضا قاطعا أي تلميح بالتعيين المسبق. معلنا بوضوح أن الأمر منوط باختيار الفرد.

و الأسوأ من هذا كله هو كيف يشوه التعيين المسبق طبيعة يهوه. التعيين المسبق غير عادل، حيث أن أولئك الذين ليسوا في عداد المختارين، و من ثم المعينين، سيهلكون لا لأجل ذنب ارتكبوه! صحيح بالتأكيد أن قلب الإنسان ساقط فاسد بالخطيئة. "القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس من يعرفه." (إرميا ١٧: ٩) ومن الصحيح أيضًا أن الخلاص هو عطية مجانية من يهوه: "لأنكم بالنعمة مخلّصون بالإيمان وذلك ليس منكم.هو عطية يهوه."(أفسس ٢: ٨) يدخل الخطأ عندما يختار الإنسان.

يعلم الكتاب المقدس أن "يهوه محبة" (١ يوحنا ٨:٤). وما كان إله المحبة ليزيل حرية الاختيار من أبنائه الأعزاء، كما لو كان يدير عجلة روليت إلهية، لتعين البعض للخلاص، واختيار عدد أكثر منهم بكثير للهلاك الأبدي.

مثل هذه الأعمال من جانب الخالق ليست عادلة! إن الكتاب المقدس يكشف عن طبيعة الخالق:

هكذا قال يهوه. لا يفتخرنّ الحكيم بحكمته ولا يفتخر الجبار بجبروته ولا يفتخر الغني بغناه.

بل بهذا ليفتخرنّ المفتخر بأنه يفهم ويعرفني أني أنا يهوه الصانع رحمة وقضاء وعدلا في الأرض لأني بهذه أسرّ يقول يهوه. (إرميا ٩: ٢٣ -٢٤)

عقيدة التعيين المسبق هي اعتقاد مدمر وتظهر لنا خالقنا المحب بصورة قاسية عديمة الشفقة و تعسفية. التعيين المسبق يناقض الكتاب المقدس، الذي يبين أن يهوه أب محب، غير راغب في أن يهلك أحد. والنتيجة هي أن قلوب البشر تصدح بالظلم البارد. إنهم يبتعدون ، ولا يفهمون أن هذه الصفات الشخصية لا تنتمي إلى يهوه ، بل قد نُسبت إليه على نحو خاطئ من قبل عدو ياه والإنسان، الشيطان.

إن المعتقدات الخاطئة حول طبيعة يهوه الفادي تقحم نفسها بين روح الإنسان و الخالق. فتنعدم الثقة من قلب الإنسان بسبب هذا الظلم القاسي، مما يؤدي إلى الابتعاد عن ذلك الفادي الظالم. يهوه يدعو الجميع إلى طرح كل معتقد غير مؤسس على الكتاب المقدس، وقبول الحب الذي يزخره لك، فتتضح الأكاذيب أمام عينيك. يهوه غير منفصل عن خليقته، يختار البعض بشكل تعسفي للخلاص، و الباقين كلهم للهلاك الأبدي! بل الخالق مشترك بنشاط في اجتذاب العالم كله إلى يهوشوه المسيح، حيث أن مشيئته هي: خلاص الجميع، في المسيح، من رعب الموت الأبدي! و حين تختار التخلي عن كل ظلال، و تعتنق الحق الكتابي وحده، سينكشف لك أعماق جمال الطبيعة الإلهية، فيجذبك كل إعلان بروابط محبة غير محدودة.

" تراءى لي يهوه من بعيد. ومحبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة. " (إرميا ٣:٣١)