مقدمة حول أعياد الخريف
إنّ الخالق المحبّ الذي أسّس خليّة الأسرة في المجتمع، قام أيضاً بتجهيز نظام دعم يحمي الأسرة ويغذّيها على الدوام: ألا وهو نظام الأعياد السنويّة المذكورة في الكتاب المقدس. ثلاث مرّات في السنة كان على ذكور بني إسرائيل أن يسافروا إلى أورشليم ويعبدوا سويّاً خالقهم ويجدّدوا عهد التزامهم معه [تثنية 16: 16]. وفي هذه المناسبات، كان الرجال يتلقّون إرشادات تتعلّق بواجباتهم ككهنة في بيوتهم ومدافعين عن علاقة الأمّة بيهوه، الإله الحقيقي.
وكان الرجال هم أول خط دفاع ضدّ أي ارتداد وعصيان يمكن أن يجلب الكوارث على الشعب ككل. وكما كانت عوارض المسكن [خيمة الاجتماع في البريّة] ودعائمه تسند أستار الدار الخارجية المحيطة بالمقدس، هكذا كان على هؤلاء الرجال من شيوخ الأمة وآبائها أن يدعموا معايير الأخلاق المرعية في أسرهم. وكان على كل الرجال من بني إسرائيل أن يتعلموا الشرائع المكتوبة [التوراة] ويطيعوها، ويعلّمها كلّ منهم لزوجته ولأبنائه. وهكذا كان على الأمة بالكامل أن تتبع مقاييس معيّنة للسلوك والمعتقدات الدينيّة.
كانت أعياد الربيع [عيد الفصح، عيد الفطير، عيد باكورة الثمار] كلها تقع في الشهر الأول المكتمل (الدورة القمريّة) بعد الاعتدال الربيعي. في الشهر الثالث يقع عيد الخمسين، وفي الشهر السابع يقع عيد الأبواق ويوم الكفّارة وعيد المظال مع ما يترافق معه من فرح وابتهاج. وهذه الأعياد شغلت التقويم السنوي الديني، وكانت بمثابة فرص هامّة للإرشاد الروحي والعبادة بالإضافة إلى المشاركة الاجتماعيّة. يا لها من ترتيب إلهيّ رائع وجميل من صنع يهوه ! وبجعل هذه الاجتماعات فرائض دهريّة منح السيّد فرصة ليظهر الشعب الطاعة وليوفّر أفضل حماية ممكنة لعلاقة العهد [الميثاق] التي كانت نفسها الضمان لبركات الشعب والحماية الخارقة للطبيعة التي كان يهوه يوفّرها لشعبه.
إنّ قلب يهوه عطوف دوما ً على الأمّهات والمصاعب والتحدّيات التي تواجههم. وكان يعلم أنّ السفر لثلاث مرّات في السنة في سبع شهور سيكون صعباً على الحوامل والمرضعات والأمهات اللاتي يعتنين بصغارهنّ، ولهذا لم يكن يُطلب من الأمّهات الذهاب للعبادة في أورشليم، بالرغم من أنّ الدعوة للعبادة هناك كانت تشمل كل القادرين على السفر.
بينما كانت الأعياد السنويّة بركة
للكل، كان القصد منها أن تكون بركة بطريقة خاصّة للأسرة. هناك بعض العناصر الواجب
توافرها على الدوام لتكون الأسرة قوية متماسكة وصحيّة:
1) أهل محبّون لخالقهم عابدون له.
2) أمّ ذات قلب عطوف شفوق، تدرّب أولادها بكل صبر ومثابرة على إكرام يهوه وإطاعته.
3) أب يلعب دور كاهن الأسرة، يرشد أسرته بالمثال والكلام ليحبّ أفرادُها يهوه من كل القلب والنفس والقدرة، وليحبّوا القريب كأنفسهم.
الفكرة من وراء الأعياد السنويّة هي إفراز أوقات محدّدة من السنة لتُكرّس للعبادة ولتقوية أواصر العلاقة الأسريّة. وفي اجتماع الشعب بعضه ببعض تقوية للُحمة الوطنيّة وتعزيز لعلاقات الأسر بعضها ببعض.
ولأنّ الأب والزوج هو كاهن أسرته، كانت الأعياد السنويّة فرصة لا غنى عنها ليجتمع كهنة الهيكل بكهنة البيوت (الآباء والأزواج) ويغذّوا عقولهم بكلام يهوه. ففي كل سنة في عيد المظال، كانت تُقرأ على مسامع الشعب توراة موسى. وكان عليهم حفظ مطاليب الشريعة وأحكامها، وممارستها بهدف الاحتياط ضدّ الخطيّة الفرديّة والارتداد الجماعي. فكان الرجال يُعلّمون كيف يديرون بيوتهم بالعدل والرحمة والشفقة والمحبّة، وبسلوكهم الحسن ومثلهم الصالح كانوا يعلّمون أسرهم عن جمال القداسة.
وكانت أعياد الخريف، بشكل خاص، فرصة لمراجعة السنة الماضية، بالتوبة والشكران على البركات التي أغدقها يهوه على الشعب. وقد تم تخصيص ثلاثة أعياد للخريف: عيد الأبواق، يوم الكفارة، وعيد المظال. وكلّ منها كان يحمل في طيّاته هدفاً خاصّاً، وهو جذب قلوب الشعب إلى إلههم وخالقهم، وبالتالي إلى بعضهم البعض.
عيد الأبواق
"وَكَلَّمَ...[يهوه] مُوسَى قَائِلاً: كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: فِي الشَّهْرِ السَّابعِ، فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ يَكُونُ لَكُمْ عُطْلَةٌ، تَذْكَارُ هُتَافِ الْبُوقِ، مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلاً مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا..." (لاويين 23: 23- 25).
عيد
الأبواق متفرّد عن كل الأعياد. فهو يوم الراحة الوحيد [غير سبت اليوم
السابع] في كلّ السنة، الذي يقع في رأس الشهر. وبينما تُصنّف رؤوس الشهور
دوماً في مرتبة أيّام العبادة وحدها، إلا أنّ عيد الأبواق يُدعى صراحة
بـ "سبت" أو، يوم راحة. ولا يُسمح بعمل عاديّ في هذا العيد، لكنّه يوم لفحص النفس والبحث عن
أي زاوية في القلب أو الفكر أو الحياة، ليست على توافق مع مقياس الشريعة المقدّسة.
ويأتي عيد الكفّارة بعد عيد الأبواق بعشرة أيام. والأيام الفاصلة بين هذين العيدين
(الأبواق والكفارة) هي دوماً أيام للبحث المستمر في خبايا الذات، والاستعداد للبركة
الهائلة التي تنتظر الذين، بالإيمان، يختبرون التطهّر من الخطيّة في يوم الكفارة. على
كل المؤمنين اليوم الاتحاد بالتوبة والاعتراف والتعويض عن كل خطيّة تمّ ارتكابها.
من الطرق الفعّالة للاستعداد ليوم الكفّارة هي بالمرور في الوصايا العشر واحدة تلو الأخرى_واحدة في كل يوم_ والتأمّل بكلّ منها. في عيد الأبواق، اطلب من يهوه أن يعلن لك عن أي ناحية في حياتك تكسر من خلالها الوصيّة العاشرة، "لا تشته". هل في السنة الماضية، مرّت عليك أوقات قمت فيها، بالقول أو الفعل، بالاشتهاء؟ إن كانت أيّ من النفوس تحت تأثير هذه الخطيّة، يجب الاعتراف وطلب الغفران.
في اليوم الثاني من الشهر السابع، قم بالتركيز بروح الصلاة على الوصيّة التاسعة من الوصايا العشر: "لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ". اطلب التبكيت على هذه الخطية واطلب أن تتذكّر أي وقت وأي شيء قمت به وهو مزيّف وخادع في العام الماضي. قم بأي اعتراف ضروري أو تعويض لازم. بالإضافة إلى طلب الغفران من يهوه، يمكن إعداد قائمة خاصة يمكن تقديمها ليهوه في يوم الكفارة.
في اليوم الثالث تأمّل في الوصية الثامنة من الوصايا العشر: " لاَ تَسْرِقْ". هذه الوصيّة تشمل أكثر بكثير من الامتلاك الغير المشروع أو القيام بالسرقة الفعليّة لشيء تعود ملكيّته للغير. هل دفعت عشورك بأمانة؟ أم أنّك تسلب يهوه العشور التي تعود إليه؟ هل قمت بالامتناع عن أية مساعدة يحتاج إليها غيرك وكان بإمكانك تقديمها لكنّك أهملت القيام بواجباتك تجاه إخوتك في الإنسانيّة؟ يقول إشعياء النبي:
"أَلَيْسَ هذَا [يوم الكفارة] صَوْمًا أَخْتَارُهُ؟ حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ؟ أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ [أسرتك]" (إشعياء 58: 6، 7).
إذا سرقت من الآخرين أو من يهوه الخير الذي كان بوسعك القيام به، لكن لم تقم به، عندئذ عليك بالتوبة والاعتراف. كم هو واسعة هذه الوصايا! وكم تشمل معانيها وتأثيرها الكثير الكثير من حياة البشر! اسأل يهوه أن يفتح ذهنك لتفهم ما يريدك أن تعرفه عن نفسك.
موضوع التأمل في اليوم الرابع يحتاج إلى أمانة وصدق كما هي الحال مع موضوع التأمل لأي يوم آخر فالوصية السابعة من الوصايا العشر: " لاَ تَزْنِ" تشمل الذهن تماماً كما تشمل أي فعل جنسي يدخل حيّز التطبيق. هل قمت خلال السنة بمشاهدة أفلام أو قراءة كتب أو تصفّح مواقع الكترونية تمجّد الشهوة والإباحيّة؟ بوصفك كاهناً لأسرتك، هل تجوّلت عيناك بعيداً حيث يجب أن لا تتجوّل؟ وكتابعات ليهوشوه، هل قمتنّ أيتها الأخوات بارتداء أية ملابس غير محتشمة؟
والسياق العام لهذه الوصيّة يشمل الأمر بأن تكون عبادتك ليهوه خالصة طاهرة من آثار الوثنيّة. لا ينبغي التساهل مع الزنى الروحي، لا ينبغي التساهل مع خلط الحق بالضلال، ولا مع احتفال بعيد الميلاد ولا عيد الإيستر (الفصح بخلاف الفصح المذكور في الكتاب المقدس).
وصيّة "لاَ تَقْتُلْ" هي مركز التأمل لليوم الخامس. لو قمت فعليّاً بكسر هذه الوصيّة، ستكون الآن في السجن ! ولكن ماذا عن الكلمات التي ننطقها بعجلة وطيش والتي كثيراً ما تقتل روح الآخر من الداخل؟ ينبغي التوبة عن أي عمل أو قول من شأنه أن يكون قد آذى حياة الآخر أو أن ينقصها، وذلك كله بهدف نيل الغفران.
إنّ المطلب الإلهي بإكرام الوالدين غالباً ما يتم صرف النظر عنه. على أية حال، فإنّ إطالة النظر بهذه الوصية تكشف لنا أنّ التطبيق الأشمل لهذه الوصيّة يتخطّى الأسرة الأرضيّة، ليشمل أسرة المؤمنين والأسرة الكبيرة السماويّة. هل تعيش حياتك بطريقة تجلب المجد والإكرام لأسرتك هنا على الأرض وفي السماء؟
في اليوم السابع بعد رأس الشهر وعيد الأبواق يبدأ التأمل بالوصية الرابعة من الوصايا العشر، وهي المتعلقة بتقديس سبت اليوم السابع. ينبغي القيام بالاستعداد اللازم لنيل الفوائد الجمّة ليوم الراحة هذا. اطلب من الآب السماوي أن يجعل ذاكرتك نشيطة فتتذكّر أي وقت في السنة الماضية قمت فيه عن عمد بكسر وصية حفظ سبت اليوم السابع. كما يمكنك أن تطلب منه أن يُظهر لك أية طرق تفكير أو تصرّف قد قادتك إلى عدم إكرام هذا اليوم المقدس بطريقة محترمة ولائقة. وهو مستعدّ لكي يغفر لك ويقول: "اذهب، ولا تخطئ فيما بعد". لكن هذا الغفران ينبغي أن يُطلب.
في اليوم الثامن، الذي سيوافق سبت اليوم السابع، يحسن إمعان النظر بالوصيّة الثالثة من الوصايا العشر التي تنص كالتالي: " لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ...[يهوه] إِلهِكَ بَاطِلاً". في العام الماضي هل أهملت أن تنادي الخالق باسمه الحقيقي طلباً للعون أو الخلاص من التجربة؟ هل لحق العار باسمه نتيجة اختيارك لأسلوب الحياة أو أي سلوك آخر؟ ينبغي للتوبة والاعتراف أن تتغلغل أكثر فأكثر في النفس. [للمزيد من الدراسة في الاسم الحقيقي للخالق، برجاء النقر هنا].
اليوم التاسع يأتي بنا إلى الوصيّة الثانية من الوصايا العشر التي تنهى عن عبادة الأصنام، عبادة الأصنام التي تتخذ أشكالاً عديدة. ليس من الضروري أن يكون الصنم صورة منحوتة، فقد يكون فكرة ما أو فلسفة معيّنة، أو شخص آخر، حتى شريك الحياة، أو قد تكون أنت هو الصنم الذي تقدّم له عبادتك وذلك عن طريق تبرير انغماسك في خطيّة ما. فكر مليّاً في هذه الأمور وصلّ أن تنفتح عيناك لتفهم المبادئ المتضمّنة في الوصيّة الثانية: " لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا... لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ". اطلب من يهوه أن يُظهر لك أية عبادة للأصنام قد زحفت إلى معبد نفسك وحياتك في السنة الفائتة.
يوم الكفارة نفسه، أي اليوم العاشر، يتزامن مع التأمل بالوصيّة الأولى من الوصايا العشر. عندما سأل أحدهم يهوشوه المسيح السؤال التالي: " أَيَّةُ وَصِيَّةٍ هِيَ الْعُظْمَى فِي النَّامُوسِ؟"، كان جوابه على الفور وبكل حزم: "تُحِبُّ يهوه إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ" (راجع متى 22: 35- 38). الوصيّة الأولى هي أساس الوصايا كلها لأنّه لا يمكن كسر أية وصيّة من الوصايا الأخرى من دون البدء بكسر هذه الوصيّة. فهي تنقر على أصل الخطية عندما تصرّح هذه الوصية بالقول: "لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي". كم هي عميقة وواسعة مضامين هذه الوصيّة وتطبيقاتها! فقط من خلال الصلاة الحارّة المخلصة الجادّة، والبصيرة الروحية العميقة، يمكن إدراك أعماق العصيان البشري على يهوه، والتوبة والغفران عنه.
إنّ الإيمان هو فقط من خلال دم يهوشوه، لا بالأعمال. لا تخف من أن تكشف عن خطاياك له، فالمخلّص الفادي لديه الحلّ: يوم الكفارة ! إنّ المحو الكامل لسجل خطاياك مُتاح ومتوفّر. والاسترداد والشفاء مُستطاعان. كانت الخدمة السنويّة تتوّج بالعمل الختامي الخاص بمحو الخطية عند انتهاء زمن النعمة وإغلاق باب الشفاعة. كم هو هامّ الاشتراك في هذه الخدمة السنويّة إذ نقترب من ختام الزمان ونهاية العالم !
اقتراحات: ينبغي للعبادة الأسريّة أن تشجّع كل عضو في الأسرة على التأمل في الوصايا، بعددها، على مرور الأيام من عيد الأبواق إلى عيد الكفارة. من المفيد لكل عضو في الأسرة أيضاً مناقشة المبادئ المختلفة المتضمّنة في الوصايا العشر.