غذاء الإنسان الأصلي
"إنّ الطعام الذي أعطاه يهوه لآدم في حالته الساقطة هو خير طعام للإنسان إذ يحاول العودة إلى حالة الطهارة. والذين يريدون بجديّة أن ينتقلوا أحياء لمقابلة يهوشوه في الهواء في مجيئة الثاني، سيبذلون قصارى جهدهم ليعودوا إلى الغذاء الذي اختاره الخالق لبني البشر" (إرشادات حول الغذاء والأطعمة، بتصرف، ص 460)
إذ في بيئة عدن بما فيها من مشاهد المروج الخضر النضرة، قدّم الخالق الغذاء المثالي لبني البشر، يسجل الوحي المقدس كلمات يهوه التالية لآدم ونسله من بعده: "إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كُلَّ بَقْل يُبْزِرُ بِزْرًا عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ، وَكُلَّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرُ شَجَرٍ يُبْزِرُ بِزْرًا لَكُمْ يَكُونُ طَعَامًا. وَلِكُلِّ حَيَوَانِ الأَرْضِ وَكُلِّ طَيْرِ السَّمَاءِ وَكُلِّ دَبَّابَةٍ عَلَى الأَرْضِ فِيهَا نَفْسٌ حَيَّةٌ، أَعْطَيْتُ كُلَّ عُشْبٍ أَخْضَرَ طَعَامًا" (تكوين 1: 29، 30). من هاتين الآيتين نفهم مشيئة يهوه، معطي الحياة وواهب مقوّماتها لسعادة مخلوقاته. لقد منح الإله المحبّ العظيم مخلوقاته أفضل طعام لازم وبنّاء لبناء أجسادهم ولإزكاء ذكائهم، فالعقل السليم في الجسم السليم.
وفي البقول والحبوب والقطاني توجد البروتينات التي تبني خلايا الجسم وفي الخضر والفاكهة توجد الفيتامينات المقوية للجسم والتي تعطي وقاية وحصانة ومناعة، والتي فيها الأملاح المعدنية اللازمة للهيكل العظمي وللجهاز العصبي مع الزيوت النباتية المليّنة والمسهلة لعملية الهضم. ثمّ سمح الخالق بعد ذلك بأكل عشب الأرض كالجرجير والبصل الأخضر والثوم والفلفل والفجل والكرات والبقدونس والكسبرة والشبثّ والنعنع والكمون والخس وغيرها.
لم يُرد السيّد أن يعتدي مخلوق على آخر حتى حيوانات البرّية الضارية لم يخطّط لها يهوه أن تصطاد حيوانات أكلة العشب وتلتهمها، إذ ليس من طبيعة الإله الكامل المحبّ الصالح أن يقبل رؤية عذاب مخلوقاته أو أن يستمرئ الآلام المبرحة التي تعاني منها الفرائس المغلوبة على أمرها. وهذا الملكوت الطاهر البريء الساكن الهادئ السّعيد سيرجع بعد زمن ردّ كلّ شيء في الملكوت الآتي، ملكوت النعمة والسلام:"الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، قَالَ يهوه" (إشعياء 65: 25).
متى سُمح للإنسان باستعمال اللحم كطعام؟
إذ ساءت حالة الإنسان الروحية نتيجة خروجه على وصايا يهوه وقوانين الطبيعية السمحة، كثر الشرّ في الأرض، لكنّ نعمة يهوه امتدّت مائة وعشرين سنة دأب فيها البطل نوح على إنذار الناس، فلم ينل منهم غير الاستهزاء والسخرية والاحتقار. عندئذ أمر السيد يهوه عبدَه الأمين أن يُدخل معه إلى الفلك من الحيوانات الطاهرة سبعة سبعة ومن الحيوانات النجسة اثنين اثنين. وفي ذلك لمن يدّعون أنّهم مسيحيون ولهم صورة التقوى لكنّهم منكرون قوّتها، عبرةٌ ودرس هامّ بأنّ يهوه لم يخصّ الأمة اليهودية بهذه التعاليم وإنّما كان القصد أن تشمل البشر كافّة: "لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية 15: 4). وهذا يعنى أنّ من لا يحسب كل كلام الوحي المقدس نافعاً له سيفقد الرجاء، وبالتالي فحياته حبر على ورق وكأنه كالسقط لم تُكتب له الحياة والبقاء.
وبعد انحسار الماء عن الأرض وبعد أن استقرّ الفلك على جبل أرارات، نظر نوح من الشرفة ليجد أنّ نتاج الأرض لم يظهر وأنّ مياه الغمر لم تنحسر بالكامل، وها هو المخزون من الطعام الطاهر النباتي الصحي قد تناقص، ولابدّ أن مخزون العلف الحيواني قد أشرف على الانتهاء. حينئذ سمح يهوه لنوح وعائلته بأكل اللحوم الطاهرة،"وَبَارَكَ يهوه نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ...كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا...غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ" (تكوين 9: 1، 3، 4).
فكانت هذه الحادثة استثناء أوجبته ظروف الأرض (المؤقّتة) ما بعد الطوفان، وحالما عادت الأرض تعطي ثمارها وخضارها، كان من المفترض ببني آدم العودة إلى الغذاء الذي أعطاه الخالق لآدم في حالة الطهارة. لكنّ عادات الإنسان الغذائية لم تعد إلى ما كانت عليه عند بداية الخليقة [أي إلى ترك الاقتيات على اللحوم بجملتها].
الطاهر والنجس من اللحوم
بالرغم من أنّ يهوه سمح للإنسان، تحت ظروف استثنائية، بأكل اللحم، إلا أنّ هذا لم يخلُ من شروط وُجب مراعاتها في هذا الخصوص. ففي سفر اللاويين الأصحاح الحادي عشر يبيّن لنا الكتاب المقدس أنواع اللحوم المسموح بأكلها: "كُلُّ مَا شَقَّ ظِلْفًا وَقَسَمَهُ ظِلْفَيْنِ، وَيَجْتَرُّ مِنَ الْبَهَائِمِ، فَإِيَّاهُ تَأْكُلُونَ" (لاويين 11: 3). أمّا البهائم التي تتوافر فيها صفة واحدة فهي نجسة لا نمسّها كالجمل فإنه يجترّ ولكنه لا يشق ظلفاً، والأرنب فإنه يجترّ كذلك لكنه لا يشق ظلفاً، والخنزير فهو على العكس يشق ظلفاً، ويقسمه قسمين لكنه لا يجترّ.
ومن العجيب أنّ يهوه قد اختار أسباباً علمّية صحية يبني عليها تحديده لما هو صالح وطاهر وصحي، وقد لاحظ أهل المواني البحرية أنّ الأسماك التي ليس لها قشور وزعانف (لاويين 11: 10) تجتمع على جثث الغارقين في الحوادث البحرية وتلتهم الجيفة والرمم ... لذلك وجب علينا أن نمجّد يهوه الذي حمانا من الضرر الناتج عن أكلها: "لكِنْ كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ زَعَانِفُ وَحَرْشَفٌ فِي الْبِحَارِ وَفِي الأَنْهَارِ، مِنْ كُلِّ دَبِيبٍ فِي الْمِيَاهِ وَمِنْ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي الْمِيَاهِ، فَهُوَ مَكْرُوهٌ لَكُمْ" .. كذلك فالحيوانات التي تجترّ فإنّ المعدة فيها تنقسم إلى أربعة أقسام يجري هضم الطعام فيها هضماً صحّياً كاملاً وهي بدورها لا تأكل إلاّ عشب الحقل الصحي والمغذّي.
أما الطيور المذكورة في ذات الإصحاح بأنّها نجسة فيمكن إجمالها في أمرين هما:
أ – تأكل الجيفة كهوّام الطير مثل النسر والصقر والغراب والباز.
ب- تأكل الديدان كالهدهد وأبي قردان وأبي فصادة.
ويضاف إليها بعض الطيور المنزلية التي تأكل الحشرات والقاذورات فهي أيضاً ضارة وغير طاهرة. وقد أثبتت الفحوصات الدقيقة أنّ الجمل يوجد بمنخره دودة حيّة خطيرة وأنّ الأرنبة تحيض كالمرأة تماماً. كما يأكل الأرنب برازه لكي يقتل الديدان التي في كبده, وقد اكتشف الباحثون أنّهم عندما نظفوا أقفاص الأرانب من روثها مرضت وماتت لأنّ ديدان الكبد قضت عليها. أمّا الخنزير الذي يعتبر سلّة المهملات في المجتمع فلا يعزف عن أكل أيّ شيء حتى لو كان كلباً ميّتاً.
مما سيق تتجلّى حكمة يهوه، فإذ سُمح للإنسان، بسبب قساوة قلبه، بتناول اللحم، إلا أنّ يهوه حدّد أنواع اللحوم الأقل ضرراً لحماية الإنسان قدر المستطاع, ومن اللافت أنُ تناول الإنسان للحوم ترافق مع تناقص تدريجي في سني حياته. فاللحوم لم تكن هي الطعام الأصلي الذي قصد الخالق أن يمنحه للبشر.
الدم والشحم والمخنوق
لقد ورد تحريم أكل الدم لأوّل مرّة في الوصيّة التي أعطاها يهوه لنبيّه نوح ولنسله من بعده في الأصحاح التاسع من سفر التكوين: "كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا... غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ" (تكوين 9: 3، 4). ومن هنا نرى الصلة الوثيقة بين حياة المخلوق ودمه في نظر يهوه. ينبغي لنا احترام قدسيّة الدم وذلك بالامتناع عن تناوله كطعام، إذ أمر يهوه بني إسرائيل: وَكُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمِنَ الْغُرَبَاءِ النَّازِلِينَ فِي وَسَطِكُمْ يَأْكُلُ دَمًا، أَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّ النَّفْسِ الآكِلَةِ الدَّمِ وَأَقْطَعُهَا مِنْ شَعْبِهَا، لأَنَّ نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ...لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ دَمُهُ هُوَ بِنَفْسِهِ، فَقُلْتُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: لاَ تَأْكُلُوا دَمَ جَسَدٍ مَا، لأَنَّ نَفْسَ كُلِّ جَسَدٍ هِيَ دَمُهُ. كُلُّ مَنْ أَكَلَهُ يُقْطَعُ (لاويين 17: 10، 11، 14). وهذه الكلمات تُظهر أنّ الوصيّة التي تحرّم أكل الدم والتي نالها نوح قبل حوالي 800 سنة من وقت كتابة سفر اللاويين كانت ماتزال سارية المفعول.
وفي العهد الجديد، نال المؤمنون وصيّة ممائلة في القرن الأول الميلادي، إذ اجتمع الرسل وبعض الشيوخ البارزين ليقرّروا أية وصايا ينبغي إطاعتها في مجموعات المؤمنين بالمسيح، وكان منها: "...أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ..." (أعمال 15: 29). لقد حرّم يهوه علينا أكل الدم والمخنوق فكلاهما خطر على الصحة. كان الأمم قد اعتادوا على أكل لحوم الحيوانات المخنوقة، بينما كان اليهود قد تلقّوا أمراً إلهيّاً بالامتناع التام عن تناول الدم بما يشمل ذلك لحوم الحيوانات المذبوحة. وكان قصد يهوه من إعطائه هذه الوصايا الحفاظ على صحّة العبرانيين. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ "...نَفْسَ الْجَسَدِ هِيَ فِي الدَّمِ، فَأَنَا [يهوه] أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ عَلَى الْمَذْبَحِ لِلتَّكْفِيرِ عَنْ نُفُوسِكُمْ، لأَنَّ الدَّمَ يُكَفِّرُ عَنِ النَّفْسِ" (لاويين 17: 11). فالدم رمز لذبيحة المسيح الكفاريّة، وهذا هو الاستعمال اللائق بالدم.
ويحسن بنا أن نلفت أنظار المؤمنين إلى عقيدة الكنائس التقليدية بخصوص سرّ الافخارستيا، أي تحويل الخبز إلى جسد السيد يهوشوه المسيح والخمر إلى دمه الزكي، فيأكلون جسده حقيقة ويشربون دمه بالمفهوم الحرفي للكلمة. نلفت النظر إلى أنّ هذا السرّ المزعوم يتعارض قطعاً مع وصيّة يهوه بتحريم أكل الدم. فمن المحرّم علينا شرب دم البشر وتناول لحمهم. كما أنّ الادّعاء نفسه بإجراء هذا التحويل بصلاة الكاهن على القربان والخمر هو ادّعاء باطل أساساً (راجع تثنية 15: 23، أعمال 15: 20).
كما تمّ تحريم تناول الشحم تحت أي ظرف: "لاَ تَأْكُلُوا شَيْئًا مِنَ الشَّحْمِ وَلاَ مِنَ الدَّمِ" (لاويين 3: 17). يتّفق الخبراء والباحثون على أنّ الدهون المشبعة مادة غذائية ضارة ترفع من مستوى الكولسترول في الدم، ما يزيد مخاطر الإصابة بأمراض القلب. فكل وصايا يهوه الصحيّة هي بغرض حماية الإنسان والحفاظ على حياته.
نلاحظ مما سبق كثرة الشروط والضوابط الموضوعة على تناول اللحوم وما يتّصل بها...فهذه لم تكن وجبة الإنسان الأصليّة، لكنّ دخول الخطيّة وقساوة قلب البشر جعلت الخالق يسمح بها، لكنّ الوجبة النباتيّة تبقى هي الوجبة المثاليّة التي يطلبها الخالق في غذاء رعاياه. كما أنّ اللحوم في أيامنا هذه أصبحت أكثر ضرراً بكثير مما كانت عليه في أيام الكتاب المقدس. للمزيد من دراسة هذا الموضوع الذي يمسّ صحة كلّ منّا، برجاء النقر هنا.
الشيطان والطعام
ويليق بنا أن نلاحظ أيضاً أنّ العبقري الطاعن في القدم والمخلوق كاملاً ملآناً من الحكمة والفهم [الشيطان]، له مقدرة كيميائية ومعجزات خادعة تفوق جميع علماء الأرض. وعندما تمرّد على خالقه وطمع في رفع كرسيه فوق كواكب العليّ ليصير كالعليّ فوق الجميع، فشل في حربه الروحية وانهزم في السماء وعلى الصليب... لذا فقد جنّد نفسه لتوريط البشر في النزوات والشهوات. وكما أغرى أمّنا حواء قديماً مستخدماً الحواس الخمس حتى أوقعها في الخطية فلحق بها آدم، كذلك يحاول اليوم جاهداً بإغرائنا عن طريق الحواس لنشتهي اللحوم، وخاصّة النجسة منها، بل وأيضاً المأكولات الحارّة المذاق الخطرة كالشطة والفلفل الأسود الذي يبلغ ضرره ثلاثة أضعاف ضرر الخمر.
للمزيد من الدراسة حول سقوط الشيطان بعد أن كان ملاكاً عظيماً، برجاء النقر هنا.
ماذا عن الخمور وذكرها في الكتاب المقدس؟
ترتبك عقول الكثيرين بسبب موقف الكتاب المقدس من الخمور، فبعض الآيات تبدو أنّها تحرّم الخمور تحريماً قاطعاً مثل:
1) "اَلْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ. الْمُسْكِرُ عَجَّاجٌ، وَمَنْ يَتَرَنَّحُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ" (أمثال 20: 1).
2) "لاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَمْرِ إِذَا احْمَرَّتْ حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي الْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ" (أمثال 23: 31، 32).
3) كان لحياة الفتى دانيال ورفاقه شدرخ وميشخ وعبدنغو أثرٌ عظيم على أعظم إمبراطورية في ذلك العصر (الإمبراطوريّة البابليّة): "أَمَّا دَانِيآلُ فَجَعَلَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لاَ يَتَنَجَّسُ بِأَطَايِبِ الْمَلِكِ وَلاَ بِخَمْرِ مَشْرُوبِهِ، فَطَلَبَ مِنْ رَئِيسِ الْخِصْيَانِ أَنْ لاَ يَتَنَجَّس... فَقَالَ دَانِيآلُ لِرَئِيسِ السُّقَاةِ الَّذِي وَلاَّهُ رَئِيسُ الْخِصْيَانِ عَلَى دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا: جَرِّبْ عَبِيدَكَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. فَلْيُعْطُونَا الْقَطَانِيَّ [الخضروات]لِنَأْكُلَ وَمَاءً لِنَشْرَبَ. وَلْيَنْظُرُوا إِلَى مَنَاظِرِنَا أَمَامَكَ وَإِلَى مَنَاظِرِ الْفِتْيَانِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ مِنْ أَطَايِبِ الْمَلِكِ...أَمَّا هؤُلاَءِ الْفِتْيَانُ الأَرْبَعَةُ فَأَعْطَاهُمُ يهوه مَعْرِفَةً وَعَقْلاً فِي كُلِّ كِتَابَةٍ وَحِكْمَةٍ، وَكَانَ دَانِيآلُ فَهِيمًا بِكُلِّ الرُّؤَى وَالأَحْلاَمِ. ... فَلَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ مِثْلُ دَانِيآلَ وَحَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا. فَوَقَفُوا أَمَامَ الْمَلِكِ" (دانيال 1: 8- 19).
من جانب آخر هناك آيات تدعو إلى شرب الخمر، ومنها:
1) إسحق يبارك عيسو: "...فَلْيُعْطِكَ يهوه مِنْ نَدَى السَّمَاءِ وَمِنْ دَسَمِ الأَرْضِ. وَكَثْرَةَ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ" (تكوين 27: 28).
2) تقدمة شريعة النذير: "وَبَعْدَ ذلِكَ يَشْرَبُ النَّذِيرُ خَمْرًا" (عدد 6: 20).
3) بركات الطاعة: "وَيُحِبُّكَ [يهوه إلهك] وَيُبَارِكُكَ وَيُكَثِّرُكَ وَيُبَارِكُ ثَمَرَةَ بَطْنِكَ وَثَمَرَةَ أَرْضِكَ: قَمْحَكَ وَخَمْرَكَ..." (تثنية 7: 13).
المشكلة الأساس هي في الترجمة. فكلمة خمر هي الترجمة العربية الوحيدة للكلمة العبرية (yayin)"يايِن"، وهذه الكلمة تُترجم "خمر" سواء أكان مختمراً أم غير مختمر. فهي تشير أيضاً إلى عصير العنب الغير المختمر. لكنّ ترجمة فاندياك للكتاب المقدس تستعمل كلمة "خمر" لترجمة هذه الكلمة مما يُضفي، بشكل مغلوط، معنى السُكر على كافة الآيات التي ترد فيها هذه الكلمة.
ومن هنا نفهم الآيات التالية:
1) "وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ [عصير العنب الطازج قبل اختماره]، قَالَتْ أُمُّ يهوشوه [أي السيدة مريم] لَهُ: لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ" (يوحنا 2: 3). فلم يكن المسيح ليناقض ناموس العهد القديم الذي حرّم استعمال عصير العنب المختمر (الخمر).
2) "اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ بَعْدُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ [عصير العنب الطازج] إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ يهوه" (مرقس 14: 25).
3) "[يهوه] الْمُنْبِتُ عُشْبًا لِلْبَهَائِمِ...وَخَمْرٍ [عصير العنب الطازج] تُفَرِّحُ قَلْبَ الإِنْسَانِ، لإِلْمَاعِ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنَ الزَّيْتِ" (مزمور 104: 14، 15).
بالإضافة إلى غيرها من الآيات التي يبدو أنّها تُظهر الخمر بطريقة إيجابية، لكنّ الحديث في الواقع هو على عصير العنب قبل اختماره.
ومن الأفضل استعمال كلمة "المُسكر" عند ترجمة "الخمر" بمعنى الاختمار، كما هي الحال في إشعياء 5: 11، "وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتْبَعُونَ الْمُسْكِرَ".
من المؤسف أنّ الخمر المُسكر مسموح به ومقدّس في كنيسة بابل الرومانية، فهو الذي يوضع على المائدة بدل الماء وللأسف الشديد أنّ بنات بابل أم الزواني قد تبعنها في معاصيها فأصبح المسيحيون اسميّاً هم صنّاع المُسكرات وشاربوها وبائعوها. وكلّ ذلك يندرج تحت مسمّى الحرية التي يدّعون بأنّ الصليب قد منحهم إياها.
للمزيد للتعرف على هويّة بابل وبناتها، برجاء الضغط هنا.
ما يدخل الفم لا ينجسه
طالع الإصحاح الخامس عشر من إنجيل البشير متى فتجد أنّ الشكوى التي رفعها الكتبة والفريسيون واليهود المتعصبون كانت: "لِمَاذَا يَتَعَدَّى تَلاَمِيذُكَ تَقْلِيدَ الشُّيُوخِ، فَإِنَّهُمْ لاَ يَغْسِلُونَ أَيْدِيَهُمْ حِينَمَا يَأْكُلُونَ خُبْزًا؟" (متى 15: 2).
وإذا أمعنت بتدقيق قي تقاليد الشيوخ تجد أنّهم فرضوا على الناس أن يصبّوا الماء سبع مرّات من اليد اليمنى إلى اليسرى حتى يُعتبروا طاهرين .. بالطبع، كانت تلك الممارسة نتيجة اختلاق طقسيّ لم يأمر به يهوه ولا أنبياؤه أو رسله، ولم يكن المسيح يهوشوه مستعدّاً لأن ينحني هو وتلاميذه لهؤلاء المرائين الأفّاكين، فقال لهم: "...لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ يهوه بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟...فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ يهوه بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ!"(متى 15: 3، 6). ثم أردف قائلاً: "يَا مُرَاؤُونَ! حَسَنًا تَنَبَّأَ عَنْكُمْ إِشَعْيَاءُ قَائِلاً: يَقْتَرِبُ إِلَيَّ هذَا الشَّعْبُ بِفَمِهِ، وَيُكْرِمُني بِشَفَتَيْهِ، وَأَمَّا قَلْبُهُ فَمُبْتَعِدٌ عَنِّي بَعِيدًا. وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ... لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ(مشيراً إلى الطعام المتناول بأيد غير مغسولة حسب تقليد الشيوخ)، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ"، ويُنهي حديثه معهم بالقول: "أَمَّا الأَكْلُ بِأَيْدٍ غَيْرِ مَغْسُولَةٍ فَلاَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ" (متى 15: 7- 20).
فكلّ ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج...
ما طهّره يهوه فلا تنّجسه أنت
في الأصحاح العاشر من سفر أعمال الرسل، نقرأ عن قصة تجديد كرنيليوس قائد المائة وكيف أنّ ملاك يهوه أرسل اثنين من خدامه وعسكرياً تقياً إلى يافا لمقابلة سمعان بطرس:
ثم في الغد فيما هم يسافرون ويقتربون إلى المدينة صعد بطرس على السطح ليصلّي .. وجاع كثيراً ووقعت عليه غيبة أثناء تجهيز الطعام له .. فرأى ملاءة نازلة من السماء وسمع صوتا من السماء قائلاً: "قُمْ يَا بُطْرُسُ، اذْبَحْ وَكُلْ". فأجاب بطرس: "كَلاَّ يَا يهوه! لأَنِّي لَمْ آكُلْ قَطُّ شَيْئًا دَنِسًا أَوْ نَجِسًاً"، فصار إليه صوت ثانية: "مَا طَهَّرَهُ يهوه لاَ تُدَنِّسْهُ أَنْتَ". وعندئذ، ظهر الرجال الثلاثة الذين أرسلوا من قبل كرنيليوس .. وبينما بطرس متفكّر في الرؤيا، أوحي إليه بالروح القدس: "هُوَذَا ثَلاَثَةُ رِجَال يَطْلُبُونَكَ. لكِنْ قُمْ وَانْزِلْ وَاذْهَبْ مَعَهُمْ غَيْرَ مُرْتَابٍ فِي شَيْءٍ، لأَنِّي أَنَا قَدْ أَرْسَلْتُهُمْ". فخرج بطرس لاستقبالهم ودعاهم إلى داخل وأضافهم .. وفي الغد دخل بطرس ووجد كثيرين مجتمعين فقال لهم: "أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ كَيْفَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَى رَجُل يَهُودِيٍّ أَنْ يَلْتَصِقَ بِأَحَدٍ أَجْنَبِيٍّ أَوْ يَأْتِيَ إِلَيْهِ. وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي يهوه أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ" (أعمال 10: 9- 28).
إنّنا مدينون لإلهنا القدوس يهوه الذي أوحى بالكتاب المقدس بروحه القدوس. أولاً، ومن حسن الطالع أنّه فاحص القلوب ومختبر نيّات البشر، وهو يعلّمنا جميع الحقّ ويبكّتنا على الخطايا، فعرف مدى تأثير سلطان التقاليد والطقوس اليهودية على تصرّف بطرس الذي كان يعزل نفسه عن الأممين في حضور اليهود ويعتبر الختان الجسدي مهمّاً لفرز الجنس المختار، ولذلك رتّب السيد أن يتخصص بطرس للكرازة بين اليهود، وأمّا بولس الرسول فأرسل إلى أهل الغرلة [الأمم] حتى انسكب الروح القدس على الأمم. وكما كان بطرس يعتبر اليهودي الذي يلتصق بأممي يصير نجساً مثله تماماً، فتصوّر أنّ الحيوانات النجسة في الملاءة قد لوّثت الحيوانات الطاهرة .. لذلك اعتبرها كلّها نجسة. وبدلاً من استنتاج أنّ يهوه طهّر كل هذه الحيوانات التي تجتّر وتشق ظلفاً، علينا أن نفهم المغزى المقصود من وراء هذه الرؤية. ولو كان يهوه قد طهّر كل هذه الحيوانات والجوارح لما تحيّر بطرس في ما عسى أن تكون الرؤيا ! لكنّ بطرس فهم فيما بعد مغزى الرسالة إذ قال: "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَرَانِي يهوه [من خلال رؤيا الحيوانات الطاهرة والنجسة] أَنْ لاَ أَقُولَ عَنْ إِنْسَانٍ مَا إِنَّهُ دَنِسٌ أَوْ نَجِسٌ" (أعمال 10: 28).
ولكن شكراً ليهوه الذي خلّص بطرس من التعصّب العنصري، ولأول مرّة يستضيف بطرس أناساً أممين .. وقد أعترف بطرس أمام الجموع بأنّ يهوه قد أراه ألاّ يقول عن إنسان ما أنّه نجس أو دنس.
كذلك من تصميم دانيال أن لا يتنجس بأطايب الملك نفهم بأنّ المطهوّات والمعجنات والمأكولات السمينة المحمّلة بالبهارات والتوابل والدهون والمقبّلات الحرّيفة (الحارّة الطعم) اللاذعة هي أيضاً ضارة مفسدة لهيكل يهوه [أي جسدنا] وفيه يسكن يهوه بروح قدسه.
خلاصة هامّة
قليلة هي العطايا التي تركتها لنا جنة عدن من دون أن تُلوّث بالخطية، ومنها نجوم السماء، الحب في الزواج والشركة مع يهوه في يوم سبته المقدس.
هناك عطية رابعة ماتزال متاحة لنا. ففي بيئة عدن بما فيها من مشاهد المروج الخضر النضرة، قدّم الخالق الغذاء المثالي لبني البشر، وهو الذي يتألف من الخضروات الطازجة النظيفة، والفواكه، والمكسرات، والبذور، والحبوب؛ وهذه كلها كانت أغذية خالية من السكاكر المكررة، والزيوت المكررة، أو أي مكونات من صنع الانسان. ولنا امتياز عظيم بأن نستمتع بهذه العطية اليوم، بقدر ما تسمح لنا الظروف بذلك.
لم يكن اللحم عنصراً مكوّناً لغذاء الإنسان في كماله في جنّة عدن، وارتبط تناوله بنتائج الخطيّة وأدّى إلى تقصير عمر الإنسان، كما أنّه السبب في كثير من الأمراض الخطيرة، وهذا ينطبق أيضاً وبشكل خاصّ على الدهون والشحوم الحيوانيّة التي حرّمها يهوه في العهد القديم بالإضافة إلى الدم والمخنوق. "يحاول يهوه أن يعيدنا، خطوة خطوة، إلى خطته الأصلية، _ حتى يقتات الإنسان على منتجات الأرض الطبيعية" (إرشادات حول الغذاء والأطعمة، هوايت، بتصرّف، ص 380).
لم يرتكب يهوه الخالق أي خطأ في خلق الأرض، والطبيعة والانسان. ولم يتوقف عن إمداد جسم الانسان بكل ما يحتاج إليه لينال الغذاء المناسب. وقد أخطأ الانسان في محاولته تحسين ما قد صنعه الخالق، وذلك من خلال تكرير الأغذية ومعالجتها صناعيا ً وإدخال عناصر غذائية إلى طعامنا لكي تُخلق أجسامنا للانتفاع بها، ومن خلال إساءة استعمال عصير العنب وتحويله إلى الخمور المُسكرة التي تذهب بالعقل وتُخضعه لسلطان الشيطان.
"فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا، فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ يهوه" (1 كورنثوس 10: 31).
للمزيد من الدراسة في نصائح عمليّة هامّة للعلاج الطبيعي والاهتمام بالصحة، برجاء النقر هنا.