لا يمكن المغالاة في التأكيد على أهمية التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة. إنها لمسؤولية خطيرة جلب أطفال إلى العالم، أي إنجابهم. وكل الذين يختارون إنجاب طفل إلى هذا العالم، عليهم واجب مقدس أمام يهوه بتدريب ذلك الطفل وصوغ صفاته ليكون مواطنًا صالحًا لملكوت السموات.
يتغاضى الوالدون في كثير من الأحيان عن السنوات الأولى في حياة الطفل، مفترضين أنه أصغر من أن يُحدثوا أيّة انطباعات دائمة على صفاته. ولكن الحقيقة هي أنه في مرحلة الطفولة المبكرة هذه، يمكنهم أن يضعوا الأساس الذي ترتكز عليه بأمان باقي حياته كلها. وتقول الكاتبة المشهورة، ترسيا دافيد في كتابها، "لماذا المرحلة المبكرة للطفل؟": "كانت الفترة منذ الولادة وحتى سن الثامنة، هي التعريف التقليدي الدولي لمرحلة الطفولة المبكرة وهي السنوات التي فيها تتشكل المعتقدات المقبلة والمواقف التي عليها تعتمد وتتشكل اختبارات الطفل في مستقبل حياته كلها".
الأهمية القصوى للتدريب في مرحلة الطفولة المبكرة ينبغي أن تتضمن أحد العوامل الضرورية، ألا وهو: كم من الأطفال يختار الزوجان أن ينجبا؟ العديد من الأزواج لهم عدد كبير من الأطفال، وبالتالي يكونون غير قادرين على توفير التدريب اللائق واللازم لهم. فالأب يكون منشغل في عمله لتوفير الدعم لأفراد أسرته. والأم تكون مرهقة بسبب مشغولياتها الكثيرة بحيث لا تستطيع منح كل طفل من أطفالها الكثيرين، الإنتباه الشخصي والتدريب الفردي الذي يحتاجه كل منهم. ومن المؤسف أن هؤلاء الأطفال إذ يُتركون في الغالب لأنفسهم، يطوّرون طرقهم الخاصة لتنشأة أنفسهم. وبالتالي يسيطر عليهم الشيطان ليزيد من رعايا مملكته.
وبينما العديد من الوالدين يظلون غافلين عن أهمية التدريب والتعليم الذي تتطلبه مرحلة الطفولة المبكرة، فإن الحكومات الدنيوية تدرك تمامًا أهمية مثل ذلك التدريب المبكر في حياة الأطفال وتأثيره عليهم في المستقبل. وهذا ما اعترف به يهوشوه نفسه إذ قال بنغمة الحزن: "أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم." (لوقا 16 :8). وكثيرًا ما تقوم الحكومات بتلقين الشبيبة بوسائلهم الخاصة من أجل تعزيز برامجها السياسية الخاصة، وبالتالي فإن الشبيبة الذين تم تدريبهم في البيت في مرحلة الطفولة لكي يقفوا للحق ولا يخافوا من أن يكونوا مختلفين عن غيرهم، وأن يكونوا مستقلين في تفكيرهم، هؤلاء يشكّلون تهديدًا لقوات الحكومات الشريرة.
التعليم المنزلي غير قانوني في ألمانيا. وقد تم حظر مثل هذا التعليم لأول مرة تحت حكم أودولف هتلر، الذي أراد أن تكون دولته كلها من الشبيبة الذين يذهبون إلى المدارس الحكومية لتتم لهم عملية غسيل المخ حتى يقبلوا برنامجه السياسي. والوالدين الذين حاولوا تعليم أطفالهم في المنزل، اُنتزِع منهم أطفالهم ووُضعوا في مستشفيات للأمراض العقلية واُعتبروا مجانين.
في سنة 2003 ، ناشد والتمس الأخوان فريتز ومريان كونراد، المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للحصول على حق تعليم أطفالهما بأنفسهما، لأن التعليم الجنسي الصريح الذي كان يُقدّم في المدارس الحكومية، كان على خلاف مع قيمهما المسيحية. وكان التماسهما هذا بموجب البيان الرسمي التالي:
"لا يُحرم أي شخص من الحق في التعليم. وفي ممارسة الدولة لأي مهام يُفترض أنها تتعلق بالتعليم والتدريس، فعلى الدولة احترام حق الآباء في ضمان أن يكون هذا النوع من التعليم والتدريس وفقًا لمعتقدات الوالدين الدينية والفلسفية".
وبعد ذلك بثلاث سنوات انضمت المحكمة إلى صف الحكومة الألمانية، وصدر قانون جديد من منظمة حقوق الإنسان الأوروبية ينص على أن للدولة الألمانية النازية الحق في فرض الحظر على التعليم المنزلي تحت ذريعة أن للمجتمع الألماني مصلحة كبرى في منع تطور المعارضة من خلال "المعتقدات الفلسفية المنفصلة".
وكانت المحكمة الألمانية قد حكمت بالفعل بأن "رغبة" الوالدين في أن ينمو أطفالهم دون هذه التأثيرات، "لا يمكن أن تأخذ الأولوية على الحضور الإلزامي لهم في المدارس". وجاء في القرار أيضًا أنه "ليس للوالدين الحق الحصري لأن يتولوا القيادة في تعليم أولادهم".
وفي أعقاب قرار المحكمة العليا هذا، أصدرت السويد أيضًا تشريعًا جعل من المستحيل تقريبًا مواصلة التعليم المنزلي. فكانت النتيجة أن العديد من السويديين هربوا إلى البلدان الأخرى حيث لا يزال التعليم المنزلي إجراءً مشروعًا.
المدارس هي أداة الحكومة الرئيسية لتدريب الجيل القادم فكريًا، وللقضاء على كل فكر لللاستقلال والمعارضة. وهذا يشكل مشكلة تلقائية للمسيحي، لأن المسيحي الحقيقي سوف يكون دائمًا ضمن الأقلية. وبالتالي يصبح من واجب الوالدين تعليم الطفل أن يقف للحق حتى وإن اتّحد العالم كله ضده. وإذا كان للشاب (أو الشابة)، أن يتحلّى بالشجاعة للوقوف صامدًا للحق، فينبغي تدريبه منذ مرحلة الطفولة المبكرة، على أن يكون له الاستقلالية الفكرية، وألا يهتم بما يعتقده الآخرون طالما كان هو على وفاق مع يهوه.
وهذا كله على نقيض تام لما يتم تدريسه في المدرسة حيث يتعلم الطفل الحساس والسريع التأثر، ما يلي:
1. الحق يأتي من السلطة.
2. الذكاء ينحصر في القدرة على التذكّر والترديد أو التكرار.
3. الذاكرة الدقيقة والتكرار، يتم مكافأتهما.
4. يُعاقب عدم الامتثال.
5. ينبغي التوافق والتكيّف والطاعة فكريًا واجتماعيًا.
مثل هذا التدريب يُعد الشباب لقبول رأي "رموز السلطة" فيما يتعلق بالحق، عوض عن أن يبحثوا عن ذلك بأنفسهم في الكتاب المقدس. كما أنه يعلّم الشباب التوافق مع المعايير الدنيوية، والامتثال للضغوط الخارجية عوض أن يفكروا لأنفسهم ويقفوا بمفردهم للحق. فالطريقة الحديثة للتعليم تستند على نظام التعليم اليوناني الذي يوَلّد بيئة غير صحية بطرق عديدة. وكان قصد يهوه منذ البداية أن يتعلّم الأولاد بواسطة والديهم الذين يساعدونهم على استخلاص الدروس الروحية من كل ما يتعلمونه. ولكن النظام المدرسي الحديث، يزيح بالوالدين جانبًا ويلغي أي تعليم ديني ويبعده عن بيئة التعليم تمامًا. وبالتالي تصبح سلطة المعلّم وتأثيره هي المرجع الأعلى والأخير.
كثيرًا ما يشعر الوالدين بالإرهاق والتعب الشديد بعد يوم طويل من العمل، فيتركون مأمورية تدريب أطفالهم بكاملها لمعلّم المدرسة. ولكن المعلّم قد تدرّب فقط على تعليم المنهج الحكومي المُتفق عليه. وكثيرًا ما يميل هذا المنهج لدعم أيدولوجية الحكومة. وبالتالي فمعلّم المدرسة غير مؤهل لأن يدرّب الطفل ويعد صفاته للسماء. فهذه ليست مهمته. وأمام غرفة الصف المزدحمة بالتلاميذ الصغار، لا يكون له الوقت ولا الفرصة لأن يفعل ذلك. وأي صقل للصفات يحدث تحت يديه وإشرافه، هو ذاك الذي يدفع الطفل للتطابق والتماثل مع القالب الدنيوي.
والأكثر من ذلك هو أن تأثير التلاميذ الآخرين يمكن أن يزيد الأمر تعقيدًا. فمهما كان المعلّم جيدًا، فإن الواعز أو التجربة التي تواجه التلميذ للتوافق مع نظرائه، تكون كبيرة وقوية. في المحيط المنزلي يكون التلميذ مُحاطًا بآخرين أكبر منه من البالغين، وأصغر منه من الأطفال، أي بعضهم أ كبرمنه عمرًا، وآخرين أصغر عمرًا. أما في المدرسة فيكون الطفل، وهو بعد في سن صغيرة جدًا، مُحاطًا بعشرين إلى أربعين طفل آخر، وكلهم في مثل سِنه. وهذا يخلق بيئة غير صحية يكون فيها رأي الشباب الآخرين ذات ثقل ووزن كبيرين.
كثير من الوالدين الذين درّبوا أطفالهم بعناية ليكونوا مهذبين ومراعين للآخرين، تحسّروا لأن يجدوا أن تأثير زملاء أبنائهم في الصف الدراسي قد أفسد كل مجهوداتهم الحريصة لتدريب أطفالهم. فعندما ترسل طفلك إلى المدرسة سيحيط به أطفال آخرين من خلفيات متنوعة ومختلفة. ومن السهل جدًا أن يتأثر الطفل في غضون دقائق معدودة، بالكلمات النابية والمثال السيئ للتلاميذ الآخرين من حوله أثنا فترة الراحة بين الحصص. وبذلك يواجه الطفل تأثيرًا سيئًا لن يمحو أثره الساعات الطويلة من التوجيه الجدي الذي يبذله الوالدين بعد ذلك معه.
دُعِيّ شعب يهوه لأن يقفوا منعزلين بمفردهم. والتعليم المتوجّب لإعداد أبطال البر هؤلاء لعملهم المقبل، لم يوجد أبدًا في نُظم المدارس الحكومية. وموسى الذي تبنّته ابنة فرعون، تعلّم وتدرّب بكل حكمة المصريين وثقافتهم. والكثير من تعليمه وتدريبه هذا كان نافعًا عندما دُعي ليقود شعب يهوه خارج مصر. ولكن الكثير أيضًا من هذا التعليم وذلك التدريب كان ذات طبيعة جعلت موسلى غير مُؤهل للعمل ذاته الذي أراد يهوه أن ينجزه من خلاله. ولهذا السبب أخرجه يهوه من المحاكم والقصور العالمية ليعيش حياة الراعي المتواضع. وهناك في الخِلوة الواسعة إذ كان بمفرده مع الغنم، تلقّى تعليمه العالي في مدرسة السماء.
وتُعلّمنا حياة موسى أنه من المهم أن ينال الجميع أفضل تعليم ممكن دون الحاجة لتجنّب الحضارة والثقافة بوصفها دنيوية. بل بالأحرى أن نعتبرها أمرًا مرغوبًا فيه طالما هي تتماشى وتنسجم مع المعايير والمقاييس السماوية.
لقد افترض البعض أن يهوشوه لم يكن متعلّمًا ، استنادًا لعبارة قيلت عندما كان يُعلّم في الهيكل: "فتعجّب اليهود قائلين: كيف هذا يعرف الكتب، وهو لم يتعلّم." (يوحنا 7: 15).
ولكن هذه العبارة لا تعني أن المخلّص كان أميًّا، لأنه في الأصحاح التالي مباشرة يسجّل لنا يوحنا ما ينفي ذلك إذ يقول أن يهوشوه "انحنى إلى أسفل وكان يكتب بأصبعه على الأرض." (راجع يوحنا 8: 6، 8).
أما السؤال: "كيف هذا يعرف الكتب وهو لم يتعلّم ؟" فيشير بالأحرى إلى حقيقة أن يهوشوه لم يذهب أبدًا إلى المدارس التي كانت في يومه، إذ أنه تلقّى تعليمه في البيت عند ركبتي أمه. فمدارس الحاخامات بتركيزها على التقاليد عوض ناموس يهوه، ما كنت لتؤهله لعمله العظيم.
والأمر ذاته يصدق على أولئك الذين يريدون أن يقفوا للحق اليوم. التعليم الذي يتم الحصول عليه من المؤسسات الدنيوية اليوم، يُروّج لنظرية النشوء، وللفجور الجنسي في كثير من الأحيان، بل وحتى لجداول الأعمال السياسية للحكومات الفردية. وما هو أكثر من ذلك أنها تدعو إلى التطابق على حساب استثناء الاستقلالية الفردية للفرد. وهذا أمر يُغلّف صفات الطفل ويطمسها بحيث يكون قبول الآخرين للشخص أهم عنده من قبول يهوه له.
فإذا نشأ الشاب وتربّى لكي يساير الآخرين ويتطابق معهم، فكيف نتوقع منه أن يقف باستقلالية للحق عندما تدعو الحاجة؟
وأولئك الذين يقبلون الالتزام والامتياز بالتعبّد في سبت اليوم السابع الحقيقي للخليقة، سيجدون صعوبة بالغة في إرسال أولادهم إلى المدارس المنتظمة ،لأن الدورة الأسبوعية للتقويم المدني الحديث لا تتلائم مع التقويم القمري الشمسي. وعلى أولئك الذي يجدون أنفسهم في ظروف لا تسمح لهم بتعليم أطفالهم في البيت، أن يعرضوا قضيتهم أمام عرش يهوه، نبع كل حكمة، وسينفتح أمامهم عندئذ طريق آمن ليسيروا فيه.
عندما أُحضِرَ الأطفال الصغار إلى يهوشوه ليباركهم، انتهرالتلاميذ والديهم لأنهم لم يريدوا للأطفال أن "يزعجوا المخلّص". ولكن يهوشهوه انتهر بدوره التلاميذ قائلاً: "دَعوا الأولاد يأتون إلي ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات." (متى 19: 14).
الأطفال والشباب هم في مرحلة المثالية التي يحتاجون فيها إلى القيم الرفيعة، وهم سيأتون إلى يهوه إذا لم يعقهم أحد.
إن تعليم وتدريب الشبيبة هي دعوة عليا ومسؤولية جسيمة. فعلى الوالدين الالتزام بتدريب أطفالهم ليهوه. وكافة موارد كليّ القدرة ستكون تحت تصرّفهم. والملائكة ستتعاون معكم في تدريب هذه النفوس الثمينة.