تتركز قوة التقاليد في العواطف والمشاعر التي يوجهها الناس صوب أعمال أو رموز أو ممارسات مختلفة. فالتقاليد التي انحدرت إلينا من جيل إلى جيل، تأتي بشعور من الاستمرارية، إذ أنها تُذكرنا بمشاعر وعواطف الإختبارات الماضية، وبالتالي توفر لنا رابطة عاطفية قوية ومتماسكة عبر الزمان والمكان. ويمكن حتى لهذه التقاليد أن تجلب لنا الشعور بالراحة والتعزية في أوقات الفجيعة والحرمان. والعديد من الثقافات والحضارات، بل وحتى العائلات الفردية، احتضنت بعض التقاليد التي قدّروا أهميتها وقيمتها بالنسبة لهم.
تجلب التقاليد الجمال والمعنى للعديد من مجالات الحياة. وفي حين أن المعتقدات الدينية ينبغي أن ترتكز على الكتاب المقدس وليس على التقليد، إلا أن هناك العديد من المجالات الأخرى التي يستطيع فيها التقليد أن يُثري بشكل كبير، حياة المتمسكين به. والزفاف هو أحد تلك الطقوس التي تشتمل على العديد من التقاليد.
وبالنسية لزوجين يريدان تأسيس زواجهما على الكتاب المقدس وحده، طارحين جانباً كل ما يوميء أو يوحي بالتعلق بـ" بابل"، تواجههما العديد من الأسئلة: - ما هو طقس الزفاف وفقاً للكتلب المقدس؟ - هل يتوجب على الزفاف أن يتم داخل الكنيسة؟ - هل يمكن أن يُعقد في داخل محكمة قانونية؟ - هل من الخطأ الحصول على رخصة زواج" قانونية"، أم يكتفي الزوجان بالنطق بتعهداتهما أمام أفراد العائلة والأصدقاء؟ - هل ينص الكتاب المقدس على وقت معين من اليوم يتم فيه الزفاف؟ - وماذا عن ملابس الزفاف "التقليدية"؟ - وهل يَصح لشعب يهوه أن يضع خاتم الزفاف في إصبعهم؟
هذه كلها اسئلة مشروعة، والكتاب المقدس لايوفر لنا تعليمات محددة حول كيفية إجراء حفل الزفاف. ومع ذلك فإن مبادئ الكتاب المقدس توفر لنا الأساس للإجابة على كافة الأسئلة.
تتعدد تعاريف الزفاف وما يشتمل عليه ويشكله، بتعدد الثقافات والحضارات. وما دام الكتاب المقدس لا يوفر تعليمات محددة حول كيفية عقد مراسم الزفاف، فمن المعقول تماماً دمج مختلف التقاليد التي تراها حضارتك المحددة جميلة وذات معنى، في حفل الزفاف.
ما يوحّد شخصين معاً في رابطة الزواج، ليس هو المكان أو الموقع، وليس هو الزهور او الملابس، وليس هو كعكة الاحتفال أو خاتم الزفاف. بل هو بالأحرى التعهدات التي يأخذها الزوجان على نفسيهما أمام يهوه وأمام المدوعوين إلى حفل الزفاف، الذين يكونون بمثابة الشهود البشريين لهذا القرار المقدس. فالرابطة التي توحّد بين الرجل والمرأة في الزواج غالباً ما يُشار اليها بالتعبير: "الزواج المقدس". وهي علاقة مقدسة تختلف عن كل صداقة أو شراكة أخرى يدخل فيها الناس. عند الخلق، خلق يهوه كِلا الجنسين أي الذكر والأنثى، وكانت لصفات يهوه أن تتجلى لكافة المخلوقات، في هذه الرابطة التي توحد الرجل بالمرأة:
"وقال (إيلوهيم )، نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون ... على كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض ... فخلق (إيلوهيم) الإنسان على صورته. على صورة إيلوهيم خلقه. ذكراً وأنثى خلقهم" (تكوين 1 : 26 و27).
ولذلك فالزواج هو أكثر بكثير من مجرد اتفاق قانوني بين طرفين. بل هو عهد يشهده الخالق ويباركه.
يُنظر إلى الزواج، في النظام القانوني البشري، على أنه تعاقد قانوني، وبالتالي لا يُسمح لأيٍ كان أن يُجري مراسم الزفاف. فليس غير الذين مُنحوا السلطة الشرعية من قِبَل الدولة يمكنهم فعل ذلك.
أما بالنسبة للمؤمنين، فالزواج هو أكثر بكثير من مجرد عقد قانوني، بل هو بالأحرى عهد – اتفاق مُلزم بموجب قوانين مملكة السماء، يشهد له ويُقره الخالق نفسه مانح الناموس. والمعروف أن العهد هو ملزم بموجب قانون المحاكم البشرية. ولكن العهد أو التعهد الذي يُتخذ بقسَمٍ مقدس ويشهده حاكم الكون الأعلى بنفسه، هو أكثر إلزاماً بما لا يقاس. وعلى هذا النحو، فإن قوانين المحاكم البشرية قد تنهي أو تحل أو تفك "التعاقد الرسمي أو القانوني" للزواج، ولكن العهد يظل ملزماً بموجب المحكمة السماوية.
إن الإدراك بأن التعهدات التي يقسم عليها الزوجان أمام يهوه، التي تجعل الزواج مقدساً، جعلت الكثيرين يتساءلون عما إذا كان من الضروري أو حتى من المستحسن أن يتم الزواج قانونياً وبرخصة يحصل الزوجان عليها في احتفال يعقده مسؤول من الدولة مُخوّل له إجراء مراسم الزواج. عندما تصدر الحكومة "رخصة"، فهذا الإجراء يشتمل ضمناً على الإعتراف بأن الإذن الذي يمكن للحكومة أن تمنحه، يمكنها أيضاً ان تلغيه وترفض حقك في الزواج. والحكومة عادة ما تضع بعض القيود على الزواج. فمعظم الحكومات ترفض السماح بالزواج في الحالات الآتية:
* بين أشخاص من نفس الجنس.
* بين إنسان وحيوان أو غيره من كيان غير بشري.
* إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما أقل من سن معينة، من أجل حماية القاصرين من الإغتصاب.
* إذا كان أحد الطرفين أو كليهما متزوجاً .
صحيح أن رخصة الزواج لا تجعلك متزوجاً في نظر السماء. ولكن هذا لايعني ان الرجل والمرأة اللذان يريدان الزواج والاتحاد معاً في هذه الرابطة المقدسة، يرفضان اتباع الشروط القانونية للزواج، التي تحكم البلد التي يعيشان فيها.
"لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة لأنه ليس سلطان إلا من (يهوه)، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من (يهوه). حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب (يهوه). والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة" (رومية 13 : 1و2).
كانت الزيجات تعقد في انجلترا، منذ قرون مضت، على الطريقة التقليدية، والتي كان يتم فيها تبادل عصابة توضع حول المعصم، ودون حضور أي كاهن، تدعى "زيجات العرف العام". وكانت مثل هذه الزيجات تعتبر ملزمة قانونيا ً. وقد حدثت فضيحة واسعة النطاق عندما خالف أحد ملوك الساكسون الأوائل هذا العرف المتبع، إذ هجر زوجته القانونية ووضعها جانباً ليدخل في رباط جديد مع سيدة أخرى بمباركة الكاهن. وكافة الدول كان لها شكل أو آخر من هذا النوع من الزواج.
وبانتشار تأثير الكنيسة الكاثوليكية عبر أوربا، لم يلقَ هذا النوع من "زيجات العرف العام"، أي قبول. والزيجات التي "باركها" الكاهن هي وحدها التي اعتبرت ملزمة أخلاقياً. وأخيراً، حظرت انجلترا في سنة 1753، "زيجات العرف العام" بموجب قانون خاص. ومنذ ذلك الوقت كان يلزم إجراء الزواج بواسطة كاهن من كنيسة انجلترا، باستثناء اليهود والكويكرز.
وحتى إلى يومنا هذا، توجد العديد من الدول التي تسمح وتجيز إجراء "زيجات العرف العام" لأنها تدرك أن الحق في الزواج كان موجوداً قبل تأسيس الحكومات، وبالتالي فإن مؤسسة الزواج تسبق تشريع القانون. وإذ قلنا هذا، نضيف أنه حتى تلك الحكومات التي تعترف بصحة وشرعية "زيجات القنون العام" (الزواج العرفي)، باعتباره حقاً، لا تعترف دائماً بالمتزوجين الذين لايملكون رخصة زواج من إدارة الدولة. وهذا يعتبر مصدر قلق بسبب تأثيره على القضايا القانونية الأخرى.
تؤثر العلاقة الزوجية على حق ملكية العقارات وحقوق البقاء على قيد الحياة (في حالة وفاة أحد الطرفين)، والفوائد المشتركة بين الزوجين، والعديد من وسائل الراحة الزوجية الأخرى، بما في ذلك، من بين أمور اخرى، الفروض الضريبية. وتسجيل الزواج لدى السلطات القانونية المعنية، يعتبر ضرورة ملحّة لحماية الأفراد المعنيين. وعلاوة على ذلك، إذا أنجب الزوجان أطفالاً فالتسجيل يوفر حماية قانونية لهم أيضاً، وهو أمر ينبغي عدم إهماله لمجرد أن الذي يصدر هذه الأوراق القانونية هي حكومة بشرية.
توفر رخصة الزواج درجة من الحماية في حالة وفاة أحد الزوجين أو في حالة الطلاق. والحكومات التي تعترف "بزيجات العرف العام"، غالباً ما تطلب دليلاً ما على الزواج العرفي إذا تم الطعن عليه أمام المحكمة، أو إذا دعت الحاجة إلى إثبات الدليل على الزواج من أجل تسوية ممتلكات الشريك المتوفي.
القانون العام لا "يسيطر" بالأكثر على عملية الزواج ذاتها، أو "تأسيس" الزواج، بقدر ما يحدد العلامات التي يمكن استخدامها لتحديد ما إذا كان الرجل والمرأة هما متزوجين في الواقع، أم أنهما ببساطة يستخدمان كلمة "الزواج" من دون وجود أي من العناصر الأساسية التي يمكن تقديمها ويَفهم منها المجتمع أنه زواج حقيقي وشرعى. وباختصار، فالعرف العام ليس له مفعول بالنسبة للزواج إلا إذا تم الطعن في صحته أمام المحكمة. عندئذ تستخدم المحكمة معايير العرف العام التي تطورت، لتقرر ما إذا كان الزواج المزعوم قد تأسس بالفعل على هذا النحو.
على الرغم من أن زيجات "العرف العام" تعتبر قانونية في بعض الدول، إلا أنه يوجد مبدأ أوسع متضمن وينبغي النظر فيه. وينطوي هذا المبدأ الأوسع على أهمية تفادي مظهر الشر. فمع انخفاض وتدني مستوى الأخلاقيات في كافة أنحاء المجتمع الحديث، فإن المزيد والمزيد من الناس يلجأون إلى "التسكع" – فيعيشون معاً دون أن يكونوا متزوجين حقاً ودون الاستفادة من هذه المؤسسة المقدسة. وعندما يعيش الزوجان معاً دون أن يتمما الأوراق والمستندات اللازمة والمطلوبة من قبل حكومتهم المعنية ليكون زواجهما معترف به قانونياً، فإن ارتباطهما هذا يعطي الآخرين مظهراً من الشر إذ ينظرون إليهما على أنهما "يعيشان في الخطية". ورغم أن أقارب الزوجين وافراد عائلتيهما ربما يكونوا قد شهدوا وسمعوا تعهدات الزوجين أمام يهوه، إلا أن المظهر العام أمام الآخرين هو أن الزوجان لم يلتزما قانونياً، ولكنهما ينامان في سرير واحد لسبب واضح.
أدرك يهوشوه أهمية تجنب مظهر الشر. ففي تلك القضايا التي لا تَنتهك قانون يهوه، ولكن من شأنها أن تكون مخالفة في حالة تجاهل العُرف أو الاتفاق المتبع، فإن مثال يهوشوه يعلمنا في هذه الحالة وجوب إتباع العُرف أو التقليد البشري المتبع.
في ذات يوم جاء الذين يجمعون الضريبة "إلى بطرس وقالوا، أما يوفي معلمكم ضريبة الهيكل؟" (متى 17 : 24).
شعر بطرس أن في هذا الطلب انتقاداً لسيده ومعلمه المحبوب، فأسرع للدفاع عنه ليثبت لهم أن يهوشوه لم ينتهك القانون: فقال لهم، بلى".
هكذا كان بطرس المندفع دائماً. فبدون أن يدرك، قد أعطى هنا فرصة لأعداء المخلّص، كانوا ينتظرونها. فباجابته المندفعة تلك بأن السيد سيدفع الجزية اعترف ضمناً أن يهوشوه لم يكن هو المسيا (الممسوح). فوفقاً للمفهوم العبري المتبع لم يكن يُطلب من أي شخص (ممسوح) أن يدفع جزية الهيكل، إذا كان ذلك الشخص مَلكاً، أميراً، كاهناً، أم حاكماً. ويهوشوه بوصفه المسيا والمعلم الذي حظي باحترام الجميع، لم يكن له أن يدفع الجزية.
لم يوجّه يهوشوه أي انتهار أو انتقاد لبطرس على تسرعه هذا، إذ أدر ك أن بطرس فعل ذلك فقط في محاولة للدفاع عنه. وبكل صبر أوضح يهوشوه لبطرس لماذا طلب جامعوا الجزية ذلك منه، ولماذا لم يكن يُطلب قانونياً من المُخَلّص أن يدفع الجزية. وكلماته التالية تتضمن تعليمات وارشادات لكل من يتشكك في حق الحكومات القانوني بالمطالبة بما لا تطالب به الحكومة الإلهية:
"ولكن لئلا نعثرهم، اذهب إلى البحر وألقِ صنارة، والسمكة التي تطلع أولاً خذها. ومتى فتحت فاها تجد إستاراً (قطعة نقود)، فخذه وأعطهم عني وعنك". (متى 17 : 27).
"لئلا نعثرهم". لم يكن ليهوشوه بوصفه المسيا، أن يدفع الجزية. ولكن ليتجنب عثرتهم، أرشد بطرس أن يدفع الجزية – وأجرى يهوشوه معجزة لتوفير النقود للجزية، وهذه المعجزة أكدت مركزه الذي ما كان ينطبق عليه دفع الجزية.
ذلك هو الموقف الذي يتوجب اتخاذه من قبل كل الذين يسعون إلى إكرام يهوه. قد لا تطلب حكومة السماء رخصة الزواج التي تمنحها الدولة. ولكن "لئلا نعثرهم"، ينبغي اتخاذ كافة الاحتياطات لتجنب الظهور بمظهر الشر. وإذا كانت رخصة الزواج البسيطة هذه ستحول دون اعطاء مظهر الشر أمام الآخرين، فلا ينبغي على أحد رفض الحصول عليها.
السؤال التالي الذي يطرح نفسه هو أين ينبغي أن يُعقد الزفاف، ومن الذي يتوجب عليه القيام به؟ هل من الضروري عقد القران في الكنيسة لكي يحظى ببركة يهوه؟ هذا يشكل معضلة خاصة للذين لا ينتمون إلى أية طائفة منظمة.
في هذه الحالة تنظم العادات والقوانين المختلفة الجواب. ففي أمريكا الشمالية مثلاً، نجد أن القسوس تُعطى لهم السلطة المناسِبة من قِبل الدولة ليؤدوا مراسم الزواج. وإذا كان أحد أقارب الزوجين قس وأراد أن يقوم بمراسم الزفاف فلا بأس من ذلك. ولكن إذا أدرك الشخص المختص، حالة الكنائس الساقطة، يكون من غير المناسب عقد القران في الكنيسة. فلم يكن لأي اسرائيلي قديماً أن يعقد قرانه في هيكل فينوس إلهة الحب، لمجرد أنه موقع جميل لعقد مراسم الزواج. وبالمثل فإن شعب يهوه الذين يستجيبون للدعوة بترك بابل، لن يختاروا الزواج داخل أية كنيسة.
بعض أجمل مراسم الزفاف تتم في العراء: وزفاف آدم وحواء تم في حديقة. ومن بين الأماكن الأخرى المناسبة لعقد الزواج، منزل العائلة. وإذا كان عدد الحاضرين كبيراً بحيث لا يتسع لهم أي منزل خاص، فيمكن عمل ذلك في قاعة مستأجرة أو في غرفة الاجتماعات بأحد الفنادق.
العديد من الدول لا تمنح القس السلطة القانونية لاجراء مراسم الزفاف. فالذين يريدون مراسم زواج دينية في مثل هذه البلدان، عليهم فعل ذلك من خلال إجرائين: أولاً يُعقد قرانهما بواسطة السلطة القانونية المعنية، في قاعة المحكمة، ثم يحصلون على بركة قرانهما واتحادهما معا،ً في احتفال ديني يُقام في مكان آخر. فلا حرج من الزواج في قاعة المحكمة من قِبل القاضي أو أي موظف آخر. الأمر المهم هو أنه حيثما يتم عقد الزواج، سواء قام بالمراسم قس أو موظف المحكمة، ينبغي اعتباره مناسبة وقورة ومقدسة حيث تتم المصادقة على عهد الزواج. وحضور الأهل والأصدقاء هذه المناسبة الجليلة، كشهود ومصدر دعم، هو جزء مهم في مثل هذه المناسبة.
وهناك عوامل أخرى ينبغي عدم تجاهلها لمجرد أنها ليست "وصايا الكتاب المقدس". فكل حضارة وثقافة لها تقاليدها الخاصة التي تضفي الجمال والمعنى على مراسم الزفاف. وكان على العريس الاسرئيلي قديماً أن يكتب عقد زواج ليقدمه إلى عروسه، ويُطلَق على هذا العقد اسم "كيتوبا". وكان يُقدِم هذا العقد إلى العروس في وليمة غذاء خاصة تعدها عائلة العروس.
ويعبّر العريس، في هذا العقد، عن حبه لعروسه ويقدم لها ولعائلتها وعوده، ويلخص في العقد الطريقة التي بها يحمي عروسه ويلبي احتياجاتها واحتياجات الأطفال الذين تنجبهم، وكيف يريد أن يُدار بيتهما وكيف يربيان الأطفال المقبلين.
وبعد أن يقدم العريس عقد الزواج لعروسة، كان يَصُب كوباً من عصير العنب من أفضل نوعية يجدها، ثم يأخذ رشفة من الكأس. وبعد ذلك تأخذ العروس "الكيتوبا" وتدرس ما كُتب فيه وتراجع بحرص كل نقطة لترى فيما إذ كانت تقبل مثل هذا العقد من عدمه، وتلتزم بالعيش وفق بنوده. وكان يستغرق منها بعض الوقت لمراجعة كل ما جاء في "الكيتوبا". لم يكن هناك من استعجال. وبعد أن تكون قد راجعته بعناية، وقررت قبوله، كانت هي أيضاً تأخذ رشفة من كأس عصير العنب ذاته. ومن تلك اللحظة تعتبر أنها مخطوبة.
إن تقاليد الزفاف الخاصة بالحضارات والثقافات المختلفة، تساهم في إضافة المهابة والوقار لهذا الإتفاق الذي هو عقد قانوني وأيضاً عهد مشهود له إلهياً. في الزمن الذي مارست فيه الكنيسة الكاثولكية الاظطهاد الشديد. مُنع الهوجونت والولدنسنيين، من عقد أية خدمات دينية. ولم يكن يُصّرح لهم إلا بعقد مراسم الزفاف والجنازات. وفي ظل هذه الظروف أصبحت مراسم الزفاف مقدسة ودينية للغاية، لأنها كانت تشكل إحدى الفرص النادرة التي يجتمع فيها الأمناء معاً بأمان. مثل هذه المناسبة الوقورة والمقدسة التي صاحبت مراسم الزواج، كانت ملائمة جداً، وبالتأكيد نالت بركة السماء أكثر من المراسم العُرفية التي تقام اليوم والتي كثيراً ما تمتلئ بالنكات وحب التظاهر.
الحضارات والثقافات المختلفة تُجري مراسم الزواج في أوقات مختلفة من اليوم. فمراسم الزفاف العبرية كانت تقام في الليل وكانت السماء المرصّعة بالنجوم مُذكراً للجميع بوعد يهوه لإبراهيم بأن نسله سيكون كرمل البحر في الكثرة وكنجوم السماء التي لا تُعد. ورغم أن هذا الاجراء لم يكن تفويضاً كتابياً، إلا أنه كان مجرد تقليد أضفى جمالا ومعنى لحفلات الزفاف العبرية قديماً.
وقد جرت العادة في انجلترا على ممارسة شعائر الزواج في الصباح. بل وفي زمن معين، لم يكن قانونياً عقد حفلات الزفاف بعد الظهر. ومن الناحية الأخرى فإن حفلات الزفاف في أمريكا الشمالية عادة ما تُعقد بعد الظهر، بل إن حفلات الزفاف الأكثر رسمية تتم في المساء. ولايوجد وقت محدد أو ممارسمة معينة نستطيع أن نقول أنها هي الصحيحة وباقي الممارسات خطأ. فعلى العروسان أن يتزوجا في الوقت الأكثر ملائمة والأكثرمعنى لهما.
ينبغي ألا يشعر أي شخص أنه من الضروري إنفاق مالٍ على الزفاف أكثر مما يستطيع الأشخاص المعنيين دفعه. ومع ذلك ينبغي الحرص على التأكد من أن كل طرف يدخل في رابطة الزواج هذه يُكرم الطرف الآخر. في العديد من الحضارات والثقافات، يُعتبر اللون الأحمر هو اللون التقليدي الذي يرتديه من يشتركون في احتفال الزفاف، واللون الأبيض يلبسه من ينوحون على ميت. وفي المجتمعات الغربية التي فيها يُلبس الأسود للحِداد، يُلبس الأبيض كرمز للطهارة والنقاوة. وبينما من غير الضروري انفاق الكثير من الأموال على ملابس الزفاف، إلا أن ارتداء ملابس خاصة في هذه المناسبة هو إحدى الطرق التي بها يُكرم العريس عروسه، وهي بالتالي تكرم عريسها الذي تتزوجه.
أما الشريط أو العصابة التي تُلبس حول المِعصم في الزفاف، فيعود أصل هذه العادة إلى الوثنية، وهي ليست ضرورية من أجل ان يكون الشخص متزوجاً. وبالنسبة لحلقة الذهب (الخاتم)، فكانت رمزاً للشمس وتوضع في إصبع البنصر لليد اليسرى لأنه كان يُعتقد أن وريداً كان يمتد من هذا الإصبع مباشرة إلى القلب، مركز العواطف والحب.
مثل هذا الرمز المرتكز والمتجذر في الوثنية، لا يناسب أولئك المدعوين للخروج من بابل. ومع ذلك فعدم وضع ذلك الخاتم، يمكن أن يؤدي في العديد من الحضارات والثقافات المختلفة إلى الاعتقاد أن الزوجين يعيشان معاً دون أن يكونا قد تزوجا بالفعل وحصلا على فائدة ومميزات الزواج الرسمي. وإذا وَجد زوجان حديثان نفسيهما في مثل هذه الحالة؛ فيمكن للعروس أن تضع شريطاً أو عصابة حول معصهما على مدى بضعة أسابيع حتى تترسخ في عقول المحيطين بها حقيقة أنها امرأة متزوجة، وهذا يكفي لتعلن للآخرين عن حقيقة وضعها الاجتماعي وتتجنب بذلك أي مظهر للشر. ومتى تم ذلك، وتأكد الآخرون من سمعتها الحسنة، يمكنها خلع شريط الزواج من معصمها على أنها زينة لا لزوم لها.
ينبغي بذل كل جهد ممكن لاضفاء الأهمية اللازمة والمعنى العميق لهذه المناسبة الخاصة. تنموا وتترعرع الفتيات الصغيرات وهن يَحلمن باليوم الذي تصير فيه كل منهن عروساً ويتقدم إليها عريساً محباً ليفعل كل ما يستطيع ليدعمها ويرعاها، حيث اختارها هي بالذات وهي في مرحة الإنتقال، لتكون هي زوجة أحلامه.
وبينما يتطلع معظم من ينوون الزواج من الشباب والشابات، إلى حفل الزفاف بوصفه بداية الحياة الزوجية لكل عروسين، يدرك الأزواج والزوجات الأكبر سناً والذين دام زواجهم مدة أطول، أنه في وقت لاحق في الحياة الزوجية الحقيقية تبدأ الأيام القليلة الأولى من الزواج . ويعتبر شهر العسل هو حقاً بداية حياتهم الزوجية كزوج وزوجة. أما قضاء شهر عسل طويل الأمد ومُكِلف مادياً، فليس له ضرورة، ولا ينبغي أن يستدين أحد ويقترض ليُنفق على شهر العسل. ومع ذلك ينبغي بذل كل جهد ممكن ليقضي الزوجان الحديثان، وقتاً خاصاً معاً، فوراً في بداية الزواج.
فيمكن تأسيس عادات تدوم مدى الحياة خلال شهر العسل. وهذا يكون سبب بركة لكل منهما على مدى حياتهما. وعقد اجتماع عبادة وصلاة معاً في كل صباح ومساء منذ البداية، وتخصيص بعض الوقت في الصلاة سوياً، وفي والاستماع إلى بعضهما، وإلى باقي افراد الأسرة، في حالة اُنجب أطفال في العائلة، هذا سيعزز الرابطة الزوجية وسيأتي بثمار مجزية في السنوات اللاحقة. وإذ أدرك يهوه واعترف بأهيمة توحيد أواصر العلاقة الجديدة بين الزوجين منذ بدايتها، أمر ألا يُرسَل أي رجل ليشترك في الحرب خلال السنة الأولى من زواجه، بل كان على الزوج الحديث أن يظل في البيت ليُسعد زوجته. ومن البديهي أن هذا لا يعني أن يركن الزوج إلى الكسل وعدم العمل. ومع ذلك فهذه السنة الأولى من زواجه كانت تُعتبر وقتاً خاصاً حيث يتعرفا جيداً على بعضهما ويصيران "جسداً واحداً"، كما يُصرّح الكتاب. وليس من غير تجارب الحياة المشتركة، يمكن تقوية هذه الرابطة، حيث يسعى كل زوجين حديثين لتوطيد علاقتهما معاً في خوف يهوه.
تأسست العلاقة الزوجية بواسطة يهوه. فإذ يكون الخالق هو رأس البيت، يمكن للزواج أن يكون بركة حقيقية. وكما احتاج الأمر إلى كل من الذكر والأنثى للكشف عن "صورة ياه" وإعلانها، كذلك يمكن للوحدة وللرباط بين الرجل والمرأة أن يعلن عن الحق الثمين المتعلق بالآب السماوي. الزوجان الملتزمان والمكرسان ليهوه يمكن أن يكونا نوراً ساطعاً في هذا العالم الذي أظلمته الخطية. ويمكن للزواج المثالي الصالح وللبيت الذي يرتكز على يهوشوه أن يضفي تأثيراً رائعاً للخير.
إن بركات السماء الوفيرة يمكن أن تستقر على أولئك الذين يكرسون حياتهم معاً في خدمة الخالق.