أدرَج التقليد المسيحي، منذ زمن طويل، قائمة بسبعة "خطايا مميتة"، تتضمن الآتي:
- الشهوة
- الطمع
- الكسل
- الغضب
- الحسد
- الكبرياء
- الشراهة
ورغم أن الكتاب المقدس نفسه لا يتضمن مثل هذه القائمة المحددة، إلا أن مباديء الكتاب المقدس تكشف أن هذه الرذائل السبع هي في الواقع المنافذ والسُبل التي من خلالها يسعى الشيطان لإحراز السيطرة على النفوس. الخطايا الست الأولى تتناول العواطف والدوافع. ومع ذلك فإن خطية الشراهة، تختلف من حيث أنها تتناول الأفعال.
التعريف الشائع للشراهة، عند معظم الناس، هو التناول المفرط للطعام. وكثيراً ما يشعر نُحاف القامة، بأنهم أكثر تفوقاً على أولئك الذين يعانون من البدانة المفرطة، مفترضين بذلك أن من يزيد وزنه أكثر من اللازم، لا بد وأنه يتناول الطعام بشراهة. ولكن الحقيقة هي أن الشراهة تشتمل على ما هو أكثر بكثير من مجرد تناول حصة إضافية من الحلوى والمرطبات.
الوسيلة الوحيدة التي يتواصل بها يهوه مع النفس البشرية، هي من خلال العقل. وبالتالي فإن أي شيء يطمس العقل أو يخدر الحواس، لا بد من تجنبه مهما كان السبب. الافراط في الطعام يمكن أن يبطيء عمل العقل أو يعرقله تماماً. ولكن هناك تأثير مماثل على العقل لكل من الكافيين والتبغ والمخدرات والكحول والأطعمة الكثيرة الدسم، بالاضافة إلى تلك التي تكثر فيها التوابل.
أفضل الأطعمة لترقية النمو الروحي هي تلك التي أعطيت لآدم وحواء في جنة عدن وهي الفواكه والمكسرات والحبوب. وبعد دخول الخطية أضيفت الخضروات إلى طعامهما، بعد أن كانت تقدم للحيوانات فقط. وبعد الطوفان، عندما كانت المياه ما تزال تغطي الجزء الأكبر من الأرض، ولم تتح بعد لأبناء نوح الفرصة لزراعة الأرض، سُمح للانسان بتناول بعض أنواع اللحوم "الطاهرة". ورغم أن يهوه سمح للناس بتناول اللحم، إلا أن اللحم لم يكن هو الطعام الأفضل للإنسان، إذ أنه لم يناسب جسده. والحقيقة أنه بعد إضافة اللحم إلى وجبة الإنسان، تناقص معدل عمر البشر بسرعة كبيرة لدرجة أن سام ابن نوح عاش ليرى سبعة أجيال من ذريته- بما فيهم إبراهيم.
كل الذين يسعون في إثر البر، سيجدون أن العودة إلى الطعام البسيط جداً والخالي من التوابل الحريفة والسكريات والدهون والمواد المضافة والحافظة، سيكون سبب بركة كبيرة ودعم ملحوظ في معركة الإنسان وصراعه للتغلب على الخطية. هذا المبدأ الهام فهمته تماماً الأمهات في القديم مثل أم دانيال وأم حنانيا وميشائيل وعزريا. وهذه الأمهات الصالحات عشن في زمن خطير وعصيب من تاريخ بني إسرائيل. فقد آمنّ بنبوات النبي إرميا التي أنبأت بسقوط أورشليم أمام الجيوش البابلية، حيث كان الشعب سيؤخذون كأسرى حرب. وبالإيمان أنشأت أمهات إسرائيل أولادهن لكي يقفوا للمبدأ مهما كان السبب.
وعندما أُخذ دانيال ورفاقه الثلاثة كأسرى إلى بابل، لم يغب عن بالهم أبداً التدريب الذي تلقوه في بيوتهم وهم بعد أطفال. ويقول عنهم الوحي، وهم أسرى في بابل ما يلي:
"وعيّن لهم الملك وظيفة كل يوم بيومه من أطايب الملك ومن خمر مشروبه لتربيتهم ثلاث سنين. وعند نهايتها يقفون أمام الملك. أما دانيال فجعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه، فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس" (دانيال 1: 5، 8).
اعتقد رئيس الخصيان، مثلما يفعل كثيرون اليوم، أن الطعام الدسم الذي يقدمه الملك لهم، هو أفضل من الطعام البسيط الذي طلبه دانيال ورفاقه الثلاثة. ولهذا أجابه رئيس الخصيان قائلاً:
"إني أخاف سيدي الملك الذي عيّن طعامكم وشرابكم. فلماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم، فتدينون رأسي للملك؟" ( دانيال1: 10).
علم دانيال أن العديد من الأسرى العبرانيين الآخرين، كانوا يتناولون هذا الطعام الدسم الذي قُدم لهم في بابل، كما كانوا يحتسون الخمور ويلتهمون اللحوم النجسة التي كان يتناولها الوثنيون. وبذلك كانوا ينتهكون ناموس يهوه. وإذ تقدم دانيال بحكمة من رئيس الخصيان المسؤول عنه مباشرة، طلب منه أن يمنحه هو ورفاقه الثلاثة، مهلة اختبار، يتناولون فيها الطعام البسيط، ثم يرى هو بعدها الفرق بينهم وبين الآخرين الذين تناولوا الطعام الدسم والخمر. وكانت هذه المهلة كافية لتظهر الفرق والنتائج بين الفريقين.
"فقال دانيال لرئيس السقاة الذي ولاّه رئيس الخصيان على دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا: جرب عبيدك عشرة أيام. فليعطونا القطاني لنأكل وماءً لنشرب. ولينظروا إلى مناظرنا أمامك وإلى مناظرالفتيان الذين يأكلون أطايب الملك. ثم اصنع بعبيدك كما ترى. فسمع لهم هذا الكلام وجربهم عشرة أيام. وعند نهاية العشرة الأيام ظهرت مناظرهم أحسن وأسمن من كل الفتيان الآكلين من أطايب الملك. فكان رئيس السقاة يرفع أطايبهم وخمر مشروبهم ويعطيهم قطاني" (دانيال 1: 11-16).
من الجدير ملاحظة كلمات دانيال أنه "جعل في قلبه أن لا يتنجس". أي أنه عزم وقرر. ومهما كان ملك بابل كريماً في معاملته لدانيال، فهذا لا ينفي حقيقة أن دانيال كان ما يزال أسير حرب. ولم يكن الأمر يتعلق بمجرد وجبة واحدة، بل كان عليه أن يتناول هذا الطعام الدسم على الدوام. وكونه يرفض أن يأكل ما قدمه له الملك كدليلٍ للطف والعطف، كان يمكن أن يعتبره الملك إهانة له. ولكن دانيال خاطر بحياته ليظل ثابتاً على موقفه الذي أدرك أنه الموقف الصحيح فيما يتعلق بالطعام. وحتى لو لم ينل الإذن لتناول الطعام البسيط، ما كان سيتناول من أطايب الملك، وإن كلفه ذلك حياته وقد بارك يهوه أمانة دانيال ورفاقه. وإليك ما يقوله الوحي عنهم:
"أما هؤلاء الفتيان الأربعة فأعطاهم...[يهوه] معرفة وعقلاً في كل كتابة وحكمة، وكان دانيال فهيماً بكل الرؤى والأحلام. وعند نهاية الأيام التي قال الملك أن يدخلوهم بعدها... كلمهم الملك، فلم يجد بينهم كلهم مثل دانيال وحننيا وميشائيل وعزريا. فوقفوا أمام الملك. وفي كل أمر حكمة فهمٍ الذي سألهم عنه الملك، وجدهم عشرة أضعاف فوق كل المجوس والسحرة الذين في كل مملكته" (دانيال1: 17-20).
لقد وعد يهوه قائلاً: "إني أكرم الذين يكرمونني، والذين يحتقرونني يصغرون" (1 صموئيل 2: 30). وبالفعل كان يهوه أميناً لوعده هذا مع دانيال ورفاقه. وهو سيفعل الأمر ذاته مع كل من يعزمون في قلوبهم، مثلما فعل دانيال، ألا يفعلوا شيئاً يجلب العار على صفاتهم. كانت الشهية هي إحدى الطرق التي بها سيطر الشيطان على العديد من البشر منذ أن أخطأ آدم بالأكل من الشجرة المحرمة. وحول موضوع الشهية هذا نفسه جُرِب المخلص أولاً في برية التجربة. فحيث أخطأ الانسان أولاً، كان على يهوشوه أن ينتصر. وهذا الانتصار الذي أحرزه، هو مستعد أن يمنحه لكل الذين يطلبونه بإخلاص.
يستخدم الشيطان الشهية الآن أكثر من أي وقت مضى ليجرب الانسان. فالنكهات والمواد المضافة والمواد الحافظة التي تُضاف إلى الأطعمة اليوم، تُحفّذ الشهية وتثيرها، مما يجعل الناس يشعرون بمزيد من الجوع.
وقد ثبت أن الأطعمة المعدّلة وراثياً تعمل على تغيير التكوين الطبيعي للجينات الوراثية في المستهلكين. وأعرب الدكتور ستانلي أوين الاختصاصي الإستشاري في"الهيستوباثولوجيا"، أي علم وظائف الأنسجة والتغيرات النسيجية التى تصيب أي عضو في الجسم، لدى مستوصف أبروين الملكي، عن قلقه من أن فيروس القرنبيط المستخدم في الأغذية المعدلة وراثياً، يمكن أن يزيد من مخاطر الاصابة بمرض السرطان. بل وقد دعا الدكتور ذاته إلى فحص المياه الجوفية القريبة من المزارع التي تنتج الأغذية المعدلة وراثياً.
في أيلول (سبتمبر) 2012، أصدرت جامعة كيم في فرنسا، الدراسة المطوّلة الأولى لفئران التجارب التي أُعطيت ذرة مُعدّلة وراثياً. وهو أحد الأطعمة الأكثر استهلاكاً والمعدلة وراثياً. وأثبتت النتائج، بما لايرقى إليه الشك، أن الذرة المعدّلة وراثياً، تسببت في إحداث الأورام في الفئران.
إن الدجاج والبقر الحلوب والحيوانات التي يتم تربيتها من أجل أكل لحومها، تُحقن بهرمونات النمو وبالمضادات الحيوية المختلفة، وذلك في محاولة لكسب المزيد من المال عن طريق إنتاج المزيد من البيض والحليب واللحوم. وهذه المواد تظهر في البيض والحليب ومنتجات اللحوم، وتؤثر على من يتناولها.
وهناك منتج آخر يُدعى "بسفينال أ"، يؤثر سلباً على جسم الإنسان، وهو عبارة عن الإضافات البلاستيكية المستخدمة في الزجاجات وعلب الصفيح للحفاظ على نضارة ونكهة الطعام. والمعضلة هي أن هذه المادة تُسّرِب الأستروجين في المشروبات والأطعمة المغلفة فيها. وأثبتت دراسة أخرى حديثة، وبالدليل القاطع، أن المادة البلاستيكية المضافة، قد تؤثر سلباً على نظام الإنجاب للمرأة وتسبب تلفاً في الكروموزون وتؤدي إلى عيوب خِلقية في الجنين بالإضافة إلى حالات الإجهاض.
كل هذه المواد الحديثة المضافة إلى الأطعمة التي نتناولها، تؤثر ليس على أجسامنا وحسب، بل وعلى عقولنا أيضاً. فالجسم المريض أو المرهق، يؤثر على صفاء التفكير ووضوحه. وذلك الصوت "الوديع الهاديء، ليهوه"، سيصعب تمييزه في أغلب الأحيان، لأن الذهن تُغلّفَه الضبابية من جراء ما أدخلناه إلى أجسامنا. وهكذا تصبح السيطرة على الشهية، التزام وفرض مقدس.
ما زال الطعام الذي وفّره الخالق لآدم وحواء في حالتهما البارة قبل دخول الخطية، هو الطعام الأفضل للذين يريدون التغلب على الخطية. الطعام النباتي هو الأكثر صحة وأماناً لأنه يخلو من هرمونات النمو والمواد الكيماوية والأمراض التي تتفشى في الأطعمة الحيوانية.
صحيح أن الكتاب المقدس يخبرنا بأن يهوشوه تناول السمك. ومن المعقول أن نستنتج أنه أكل أيضاً من اللحوم الطاهرة، بما فيها حمل الفصح الذي كان يؤكل في العشاء. ويسجل لنا الكتاب المقدس أن المسيح، عندما كان في طريقه إلى سدوم وعمورة، زار إبراهيم في اليوم الذي سبق هلاك المدينتين. وقد جهّز إبراهيم له وللملاكين اللذين كانا في رفقته، وجبة طعام.
"ثم ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وجيداً وأعطاه للغلام، فأسرع ليعمله. ثم أخذ زبداً ولبناً والعجل الذي عمله، ووضعها قدامهم. وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة، أكلوا" (تكوين 8: 7، 8).
يعتقد وينادي بعض الناس بأنه ينبغي عدم تناول اللحوم على الاطلاق، حتى وإن كلفهم ذلك حياتهم. بينما غيرهم قد تسببوا في الأذى والاساءة إلى مشاعر الآخرين، وحوّلوا الناس بعيداً عن الحق برفضهم تناول اللحم الذي أعدته المضيفات اللاتي لم يكن نباتيات.
إن قصص الكتاب المقدس عن تناول يهوشوه المسيح للحوم، توفر لنا معطيات متوازنة يستطيع منها شعب يهوه أن يفهموا كافة المباديء المتعلقة بالاصلاح الغذائي.
النصرة على الشهية هي من بين أهم وأصعب المعارك التي علينا الفوز فيها. فإذ يسعى ويواظب الشيطان في سعيه الدائم والمتزايد، ويستنبط المزيد من الطرق ليفسد أجساد وعقول الناس، فإن الطعام الصحي البسيط الذي يتم تجهيزه بطريقة طبيعية قدر المستطاع، سيكون عوناً كبيراً في إحراز النصرة على الطبيعة البشرية الساقطة. والذين ينتصرون على الشهية، مثلما فعل دانيال ورفاقه، بل مثلما فعل يهوشوه نفسه، سيجدون أن كافة الإنتصارات الأخرى ستتبع ذلك.
أما بخصوص الخطايا الأخرى، فإن يهوشوه هو الجواب لكل تجربة وكل إدمان.
"فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات، يهوشوه ابن يهوه، فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مُجرّب في كل شيء مثلنا، بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد عوناًفي حينه" (عبرانيين 4: 14-16).
سلّم حياتك وإرادتك وجسدك ليهوشوه. فهو إنما ينتظر ليمنحك النصرة على كل خطية تحيط بك. ادخل إلى فرح الانتصارات من خلال معونته.